Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 75-75)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى : الألف في قوله أفتطمعون ألف استفهام والمراد به الانكار ، كقوله : { ألم يأتكم نذير قالوا بلى } فاذا كان في الاول نفياً ، كان الجواب بلى واذا لم يكن نفياً كان الجواب لا . وهذا خطاب لامة النبي " صلى الله عليه وسلم " فكأنه قال : أفتطمعون أيها المؤمنون أن يؤمنوا لكم من طريق النظر والاعتبار ، ونفي التشبيه ، والانقياد للحق وقد كان فريق منهم : أي ممن هو في مثل حالهم من اسلافهم يسمعون كلام الله ثم يعلمون انه الحق ، ويعاندون فيحرّفونه ويتأولونه ، على غير تأويله . وقوله : { وقد كان فريق منهم } والفريق جمع كالطائفة لا واحد له من لفظه وهو فعيل من الفرق سمي به الجمع كما سميت الجماعة بالحزب من التحزب قال اعشى بن تغلبة : @ اخذوا فلما خفت ان يتفرقوا فريقين منهم مصعد ومصوب @@ وقوله : { منهم } يعني من بني اسرائيل ، وانما جعل الله الذين كانوا على عهد موسى ومن بعد : من بني اسرائيل من اليهود الذين قال الله تعالى لاصحاب محمد " صلى الله عليه وسلم " افتطمعون أن يؤمنوا لكم ، لأنهم كانوا آباؤهم واسلافهم ، فجعلهم منهم اذ كانوا عشائرهم وفرقهم واسلافهم . وقوله : { يسمعون كلام الله } قال قوم منهم مجاهد والسدي : إنهم علماء اليهود يحرفون التوراة ، فيجعلون الحلال حراماً والحرام حلالا ابتغاء لأهوائهم واعانة لمن يرشوهم . وقال ابن عباس والربيع وابن اسحاق والبلخي : انهم الذين اختارهم موسى من قومه ، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا امره ، وحرفوا القول في اخبارهم لقومهم حتى رجعوا اليهم وهم يعلمون انهم قد حرفوا . وهذا اقوى التأويلين ، لأنه تعالى اخبر عنهم بانهم يسمعون كلام الله والذين سمعوا كلام الله . بلا واسطة هم الذين كانوا مع موسى . فاما هؤلاء فانما سمعوا ما يضاف إلى كلامه بضرب من العرف دون حقيقة الوضع . ومن قال بهذا . قال : هم الذين سمعوا كلام الله الذي اوحى الله إلى موسى . وقال قوم هو التوراة التي علمها علماء اليهود . وقوله : { من بعد ما عقلوه وهم يعلمون } . قيل فيه وجهان : احدهما وهم يعلمون انهم يحرفونه . والثاني من بعد ما تحققوه وهم يعلمون ما في تحريفه من العقاب . والذي يليق بمذهبنا في الموافاة أن نقول : ان معناه وهم يعلمون انهم يحرّفونه . فان قيل فلماذا اخبر الله عن قوم بانهم حرفوا وفعلوا ما فعلوا من المعاندة ما يجب أن يؤيس من ايمان من هو في هذا الوقت ، وأي علقة بين الموضوعين والحالين ؟ قيل : ليس كلما يطمع فيه يؤيس منه على وجه الاستيقان بانه لا يكون ، لأن الواحد من افناء العامة لا يطمع ان يصير ملكا . ومع ذلك لا يمكن القطع على كل حال ان ذلك لا يكون ابداً . ولكن لا يطمع فيه لبعده ، والله تعالى نفى عنهم الطمع ولم يؤيسهم على القطع والثبات وانما لم يطمع فيهم لبعد ذلك من الوهم منهم مع احوالهم التي كانوا عليها . وشبههم باسلافهم المعاندين ، وقد كانوا قادرين على ان يؤمنوا وكان ذلك منه جائزاً . وهؤلاء الذين عاندوا وهم يعلمون كان قليلا عددهم ، يجوز على مثلهم التواطؤ والاتفاق وكتمان الحق ، وانما يمتنع ذلك في الجمع العظيم والخلق الكثير ، لأمر يرجع إلى اختلاف الدواعي . فأما على وجه التواطؤ والعمد فلا يمتنع فيهم ايضاً ، فيبطل بذلك قول من نسب فريقاً إلى المعاندة دون جميعهم وان كانوا باجمعهم كفاراً .