Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 90-90)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغة والاعراب : أصل بئس : بئس من البؤس فأسكنت الهمزة ونقلت حركتها إلى الباء . كما قالوا في ظللت ظلت ، وكما قيل للكبد كبد ، فنقلت حركة الباء إلى الكاف ، لما سكنت الباء . ويحتمل ان تكون بئس . وان كان اصلها بئس من لغة من ينقل حركة العين من فعل إلى الفاء اذا كانت عين الفعل احد حروف الحلق الستة . كما قالوا في لَعب : لِعب . وفي سئم سيم ، وهي لغه تميم . ثم جعلت دلالة على الذم والتوبيخ ووصلت ب ( ما ) . واختلفوا في ( ما ) فقال قوم من البصريين : هي وحدها اسم ، و { أن يكفروا } تفسير له . نحو نعم رجلا زيد و { أن ينزل الله } بدل من انزل . وقال الفراء : بئس الشيء اشتروا به انفسهم ان يكفروا . فـ ( ما ) اسم بئس ، و { أن يكفروا } الاسم الثاني . وقوله { أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده } ، إن شئت جعلت ( أن ) في موضع رفع ، وان شئت في موضع خفض : فالرفع بئس الشيء هذا ان يكفروا ، والخفض بئس الشيء إشتروا به انفسهم ان يكفروا بما انزل الله بغياً . وفي قوله : { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم } مثل ذلك . قال ابو عبيدة : والعرب تجعل ( ما ) وحدها في هذا الباب بمنزلة الاسم التام . وقوله : { فنعما هي } { وبئس ما أنت } قال الراجز : @ لا تعجلا بالسير وادلواها لبئسما بُطء ولا نرعاها @@ قال : ويقولون لبئس ما تزويج ، ولا مهر : فيجعلون ( ما ) وحدها اسما بغير صلة . وروي عن النبي " صلى الله عليه وسلم " انه قال : " نعم ما المال للرجل الصالح " ، فجعلت ( ما ) اسماً . وقال قوم : هذا الوجه ضعيف ، لان هذا القول ، يكون التقدير بئس الشيء اشتروا به انفسهم ، فقد صارت ما بصلتها اسماً موقتاً ، لان اشتروا فعل ماضي ، واذا وصلت بفعل ماضي كانت معرفة موقتة . تقديره بئس شراؤهم كفرهم . وذلك غير جائز عنده : فبان بذلك فساد هذا القول . وبئس ونعم لا يلقاهما اسم علم كزيد وعمر ، واخيك وابيك : فانما يلقاها المعرّف بالالف واللام . كقولك : الرجل والمرأة ، وما اشبه ذلك . فان نزعتهما ، نصبت . كقوله : { بئس للظالمين بدلاً } { ساء مثلا القوم الذين كذبوا بايآتنا } فان كانت نكرة مضافة إلى نكرة جاز الرفع والنصب . كقولك نعم غلام سفر غلامك ، بالرفع والنصب حكاه الفراء . وقال بعضهم : إن ( ان ) في موضع خفض ان شئت ، وان شئت في موضع رفع : فالخفض ان ترده على الهاء في به على التكرير على كلامين ، لانك قلت : اشتروا انفسهم بالكفر : والرفع ان يكون تكراراً على موضع ( ما ) التي تلي بئس ، ولا يجوز ان يكون رفعاً على قولك بئس الرجل عبد الله . وقال بعضهم : أولى هذه الاقوال أن تجعل بئسما مرفوعاً بالراجع من الهاء في قوله : اشتروا به . كما رفعوا ذلك بعبد الله ، في قولهم : بئسما عبد الله ، وجعل أن يكفروا مترجماً عن بئس . فيكون التقدير بئس الشيء باع اليهود به انفسهم بكفرهم ، بما انزل الله بغياً وحسداً ان ينزل الله من فضله . وتكون ان التي في قوله : { أن ينزل الله } في موضع نصب ، لانه يعني به ان يكفروا بما انزل الله من اجل ان ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده . وموضع ( ان ) جر . والكسائي جعل ان في موضع خفض بنية الباء وانما كان النصب اقوم ، لتمام الخبر قبلها ولا خافض معها . وحرف الخفض اذا كان مضمراً لا تخفض به . المعنى : ومعنى قوله : { اشتروا به أنفسهم } اي باعوا به انفسهم على وزن افتعلوا من الشراء وسمي البائع الشاري بهذا ، لانه باع نفسه ودنياه عنده . واكثر الكلام شريت بمعنى بعت . واشتريت بمعنى ابتعت . قال الشاعر يزيد بن مفرغ الحميري : @ وشريت بُرداً ليتني من قبل بردٍ كنت هامة @@ ومعنى قوله : { وشروه بثمن بخس } باعوه وربما استعملت اشتريت بمعنى بعت . وشريت بمعنى ابتعت . والاكثر ما قلناه . وقوله : { بغياً } اي حسداً وتعدياً . فان قيل : كيف باعت اليهود انفسها بالكفر . وهل يشترى بالكفر شيء ؟ قيل معنى الشراء والبيع عند العرب هو ازالة ملك المالك إلى غيره بعوض يعتاضه منه ، ثم يستعمل ذلك في كل معتاض من عمله عوضاً خيراً كان أو شراً يقال نعم ما باع فلان نفسه به ، وبئس ما باع به نفسه . بمعنى نعم الكسب كسبها ، وبئس الكسب كسبها . وكذلك قوله : { بئس ما اشتروا به أنفسهم } ، لما ابقوا انفسهم بكفرهم بمحمد " صلى الله عليه وسلم " واهلكوها . خاطبهم الله بالعرف الذي يعرفونه : فقال بئس ما اعتاضوا من كفرهم بالله ، وتكذيبهم محمداً " صلى الله عليه وسلم " إذا كانوا رضوا به عوضاً من ثواب الله ، وما اعدّ لهم لو كانوا امنوا بالله وما انزل على انبيائه بالنار ، وما اعدّ لهم بكفرهم بذلك . ونظير هذه الآية قوله : في سورة النساء : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } إلى قوله : { وآتيناهم ملكاً عظيماً } وكان ذلك حسداً منهم لكون النبوة في غيرهم . وقوله : " بغيا " نصب لانه مفعول له . والمعنى فساداً . قال الاصمعي : مأخوذ من قولهم : بغى الجرح اذا فسد . ويجوز ان يكون مأخوذاً من شدة الطلب للمطاول . وسميت الزانية بغيّاً لانها تطلب . واصل البغي الطلب . و { بغياً أن ينزل الله } اي لأن ينزل الله . وكذلك كل ما في القرآن . ومثله قول الشاعر : @ أتجزع أن بان الخليط المودع وحبل الصفا من عزة المتقطع @@ وقوله : { فباءوا بغضب على غضب } اي رجعوا . والمراد رجعت اليهود من بني اسرائيل بعد ما كانوا عليه من الاستنصار لمحمد " صلى الله عليه وسلم " في الاستفتاح به ، وبعد ما كانوا يخبرون الناس من قبل مبعثه انه نبي مبعوث مرتدين علي اعقابهم حين بعثه الله نبياً بغضب من الله استحقوه منه بكفرهم به وجحدهم بنبوته ، وانكارهم اياه . وقال السدي : الغضب الاول حين عبدوا العجل ، والثاني حين كفروا بمحمد " صلى الله عليه وسلم " . وقال عطا وغيره : الغضب الاول حين غيروا التوراة قبل مبعث محمد " صلى الله عليه وسلم " : والغضب الثاني حين كفروا بمحمد " صلى الله عليه وسلم " . وقال عكرمة والحسن : الاول حين كفروا بعيسى " ع " : والثاني حين كفروا بمحمد " صلى الله عليه وسلم " . وقد بينا ان الغضب من الله هو ارادة العقاب بهم . وقوله : { وللكافرين عذاب مهين } معناه للجاحدين بنبوة محمد " صلى الله عليه وسلم " عذاب مهين من الله : إما في الدنيا ، وإما في الآخرة . و { مهين } هو المذل لصاحبه المخزي لملبسه هواناً وذلة . وقيل " المهين " هو الذي لا ينتقل منه إلى اعتزاز وإكرام . وقد يكون غير مهين اذا كان تمحيصاً وتكفيراً ينتقل بعده إلى اعتزار وتعظيم : فعلى هذا من ينتقل من عذاب النار إلى الجنة ، لا يكون عذابه مهيناً . قال المؤرخ : { فباءوا } استوجبوا اللعنة بلغة جرهم ـ . ولا يقال باء مفردة حتى يقول بكذا وكذا : اما بخير واما بشر . قال ابو عبيدة : { فباءوا بغضب } احتملواه واقرّوا به . واصل البواء التقرير والاستقرار . قال الشاعر :