Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 93-93)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى : تقديره واذكروا إذ أخذنا ميثاقكم وعهودكم بان تأخذوا ما آتيناكم من التوراة التي انزلها الله على موسى بجد واجتهاد ، ومعناه اقبلوا ما سمعتم ، كما قيل سمع الله لمن حمده : اي قبل الله حمده قال الراجز : @ بالحمد والطاعة والتسليم خير واعفى لفتى تميم @@ فصار تقدير الآية : { وإذ أخذنا ميثاقكم } بأن { خذوا ما آتيناكم بقوة } واعملوا بما سمعتم واطيعوا الله { ورفعنا فوقكم الطور } من اجل ذلك . وقوله : { قالوا سمعنا وعصينا } كأن الكلام خرج مخرج الخبر عن الغائب بعد أن كان الابتداء بالخطاب ، لما تقدّم ذكره من ابتداء الكلام ، اذ كان حكاية . والعرب تخاطب ، ثم تعود بعد ذلك إلى الخبر عن الغائب ، ثم تخاطب ، لان قوله : { وإذ أخذنا ميثاقكم } بمعنى قلنا لكم ، فأجبتمونا ، وقوله : " سمعنا " إخبار من الله تعالى عن اليهود الذين أخذنا ميثاقهم ان يعملوا بما في التوراة ، وان يطيعوا الله بما يسمعون منها انهم قالوا حين قيل لهم ذلك : سمعنا قولك ، وعصينا أمرك ويحتمل ان يكون ما قالوه لكن فعلوا ما يدل على ذلك ، فقام الفعل مقام القول . كما قال الشاعر : @ امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويداً قد ملات بطني @@ وقوله : { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } فيه وجوه : احدهما ما قال قتادة وابو العالية : واشربوا في قلوبهم حب العجل . يقال أشرب قلبه حبّ كذا وكذا قال زهير : @ فصحوت عنها بعد حبّ داخل والحبّ يثربه فؤداك داء @@ وقالت اعرابية : @ باهلي من عادى ونفسي فداؤه به هام قلبي منذ حين ولا يدري هوى اشربته النفس ايام جهلها ولحّ عليه القلب في سالف الدهر @@ وقال السدي : لما رجع موسى إلى قومه اخذ العجل الذي وجدهم عاكفين عليه ، فذبحه ثم حرقه بالمبرد ، ثم ذراه في اليم فلم يبق بحر يجري يومئذ إلا وقع فيه شيء منه ، ثم قال اشربوا فشربوا ، فمن كان يحبه خرج على شاربه الذّهب . والاول عليه اكثر محصلي المفسرين وهو الصحيح ، لان الماء لا يقال فيه : أشرب منه فلان في قلبه ، وانما يقال ذلك : في حب الشيء على ما بيناه ، ولكن يترك ذكر الحب اكتفاء بفهم السامع ، لمعنى الكلام ، اذ كان معلوماً ان العجل لا يشربه القلب وان الذي اشرب منه حبّه . كما قال { واسأل القرية } وانما اراد اهلها . كما قال الشاعر : @ حسبت بغام راحلتي عناقاً وما هي ويب غيرك بالعناق @@ يريد بذلك حسبت بغام راحلتي بغام عناق . وقال طرفه بن العبد : @ ألا إنني سقيّت اسود حالكا ألا بجلي من الشراب ألا بجل @@ يريد بذلك سقيت سما اسود ، فاكتفى بذكر ( اسود ) عن ذكر ( السم ) لمعرفة السامع بمعنى ما اراد بقوله سقيت اسود . وقال آخر : @ وكيف تواصل من أصبحت خلالته كأبي مرحب ؟ @@ اي كخلالة أبي مرحب وقال آخر : @ وشر المنايا ميتة وسط اهله @@ اي ميتة ميت . وقد يقول العرب : اذا سرك ان تنظر إلى السخاء ، فانظر إلى هرم ، أو إلى حاتم . فيجتزئون بذكر الاسم عن ذكر فعله ، للعلم به . وقوله : { بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين } معناه قل يا محمد ليهود بني اسرائيل : بئس الشيء يأمركم به ايمانكم إن كان يأمركم بقتل انبياء الله ورسله والتكذيب بكتبه ، وجحد ما جاء من عنده . وقال الازهري : معنى ان كنتم : اي ما كنتم مؤمنين نفياً والاول اجود . ومعنى ايمانهم : تصديقهم الذي زعموا انهم مصدقون ، من كتاب الله اذا قيل لهم آمنوا بما انزل الله قالوا : نؤمن بما أنزل علينا . وقوله : { إن كنتم مؤمنين } أي ان كنتم مصدقين كما زعمتم ، فأخبر ان تصديقهم بالتوراة ، انه كان يأمرهم بذلك ، فبئس الامر يأمرهم به . وانما ذلك نفي عن التوراة ان يكون يأمر بشيء بما يكرهه الله من افعالهم ، واعلاماً منه ان الذي تأمرهم به اهواؤهم ، وتحمل عليه عداوتهم . وهذا كما يقول الرجل : بئس الرجل انا إن رضيت بفعلك ، او ساعدتك عليه . والمعنى وأشربوا في قلوبهم حب العجل بكفرهم ، اي لالفهم الكفر وثبوتهم فيه ، والكفر يدعو بعضه إلى بعض ، ويحسّن بعضه بعضاً . وليس المعنى في قوله : { وأشربوا } ان غيرهم فعل ذلك بهم ، بل هم الفاعلون له ، كما يقول القائل : أنسيت ذلك من النسيان ليس يريد إلا انك فعلت . وقولهم : لقد أوتى فلان علماً جماً وان كان هو المكتسب له ، وإن الجنس الذين قالوا : سمعنا وعصينا غير الذين رفع عليهم الطور بأعيانهم ، لكنهم كانوا على منهاجهم ، وسبيلهم . فأما أولئك باعيانهم ، فانهم آمنوا : إما طوعاً ، واما كرهاً . والمعنى في ( الباء ) المتصلة بالكفر : أنهم كفروا بالله بما اشربوا من محبة العجل . وليس المعنى انهم في ذلك اشربوا حبّ العجل جزاءً على كفرهم ، لأن محبة العجل كفر قبيح . والله لا يفعل الكفر في العبد ، لا إبتداء ، ولا مجازاة .