Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 94-94)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية مما احتج الله بتأويلها لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره ، وفضح بها احبارهم وعلماءهم ، لانه دعاهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم ، كما كان من الخلف الواقع بينهم . فقال لفريق من اليهود : ان كنتم صادقين ان الجنة خالصة لكم دون الناس كلهم ، او دون محمد واصحابه الذين آمنوا به فتمنوا الموت ، لان من اعتقد انه من أهل الجنة قطعاً ، كان الموت أحب اليه من حياة الدنيا التي فيها النغص ، وانواع الآلام ، والمشاق ، ومفارقتها إلى نعيم خالص يتخلص به من اذى الدنيا . وقوله : { فتمنوا الموت } وان كان صورته صورة الامر المراد به التوبيخ ، والزام الحجة . وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال : " لو ان اليهود تمنوا الموت لماتوا ، ولرأوا مقاعدهم من النار " فقال الله تعالى لهم { ولن يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم } تحقيقاً لكذبهم ، فقطع على انهم لا يظهرون التمني وفي ذلك اعظم الدلالة على صدقه ، لانه اخبر بشيء قبل كونه ، فكان كما اخبر ، لانه لا خلاف انهم لم يتمنوا . وقيل انهم ما تمنوا ، لانهم علموا انهم لو تمنوا الموت ، لماتوا كما قاله فلذلك لم يتمنوه . وهذا قول ابن عباس . وقال غيره : إن الله صرفهم عن اظهار التمني ، ليجعل ذلك آية لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) . أما التمني فهو قول لما كان : ليته لم يكن ، ولما لم يكن ليته كان . وقال قوم : هو معنى في القلب . غير انه لا خلاف انه ليس من قبل الشهوة . فمن قال من المفسرين : انه أراد فتشهوا ، فقد اخطأ . قد روي عن ابن عباس انه قال : فاسألوا الموت . وهذا بعيد ، لان التمني بمعنى السؤال لا يعرف في اللغة . فان قيل : من اين انهم ما تمنوه بقلوبهم عند من قال : انه معنى في القلب ؟ قلنا : لو تمنوه بقلوبهم لأظهروه بألسنتهم حرصاً منهم على تكذيبه في إخباره ، وجهداً في اطفاء امره . وهذه القصة شبيهة بقصة المباهلة ، وان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما دعا النصارى إلى المباهلة امتنعوا لقلة ثقتهم بما هم عليه ، وخوفهم من صدق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . ومعنى { خالصة } : صافية . يقال خلص لي هذا الامر : اي صار لي وحدي ، وصفا لي يخلص خلوصاً وخالصة . والخالصة : مصدر كالعاقبة يقال للرجل هذا خلصاني : اي خالصتي من دون اصحابي .