Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 26-30)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
حكى الله تعالى عن الكفار الذين تقدم ذكرهم أنهم { قالوا اتخذ الرحمن ولداً } أي تبنا الملائكة بناتاً ، فنزه الله تعالى نفسه عن ذلك بأن قال { سبحانه بل عباد مكرمون } أي هؤلاء الذين جعلوهم أولاد الله هم عبيد لله مكرمون لديه ، و { عباد } رفع بأنه خبر ابتداء وتقديره هم عباد ، ولا يجوز عليه تعالى التبني ، لأن التبني إقامة المتخذ لولد غيره مقام ولده لو كان له ، فاذا استحال أن يكون له تعالى ولد على الحقيقة استحال أن يقوم ولد غيره مقام ولده ، ولذلك لا يجوز أن يشبه بخلقه على وجه المجاز ، لما لم يكن مشبهاً به على الحقيقة . والفرق بين الخلة والنبوة أن الخلة إخلاص المودة بما يوجب الاخلاص والاختصاص بتخلل الاسرار ، فلما جاز أن يطلع الله ابراهيم على أسرار لا يطلع عليها غيره تشريفاً له اتخذه خليلا على هذا الوجه ، والبنوة ولادة ابن أو إقامته مقام ابن لو كان للمتخذ له . وهذا المعنى لا يجوز عليه تعالى كما يستحيل أن يتخذ إلهاً تعالى الله عن ذلك . ثم وصف تعالى الملائكة بأنهم { لا يسبقونه بالقول } ومعناه لا يخرجون بقولهم عن حد ما أمرهم به ، طاعة لربهم ، وناهيك بهذا إجلالا لهم وتعظيماً لشأنهم { وهم بأمره يعملون } أي لا يعملون القبائح وإنما يعملون الطاعات التي أمرهم بها . وقوله { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } قال ابن عباس : معناه يعلم ما قدموا وما أخروا من أعمالهم . وقال الكلبي { ما بين أيديهم } يعني القيامة وأحوالها { وما خلفهم } من أمر الدنيا { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } قال أهل الوعيد : معناه لا يشفع هؤلاء الملائكة الا لمن ارتضى الله جميع عمله . قالوا : وذلك يدل على أن اهل الكبائر لا يشفع فيهم ، لان أعمالهم ليست رضاً لله . وقال مجاهد : معناه الا لمن رضي عنه . وهذا الذي ذكروه ليس فى الظاهر ، بل لا يمتنع ان يكون المراد لا يشفعون الا لمن رضي الله ان يشفع فيه ، كما قال تعالى { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } والمراد أنهم لا يشفعون الا من بعد اذن الله لهم ، فيمن يشفعون فيه ، ولو سلمنا أن المراد الا لمن رضي عمله ، لجاز لنا أن نحمل على أنه رضي ايمانه ، وكثيراً من طاعاته . فمن أين أنه أراد : الا لمن رضي جميع اعماله ؟ ! ومعنى - رضا الله - عن العبد إرادته لفعله الذي عرض به للثواب . وقوله { وهم من خشيته مشفقون } يخافون من عقاب الله من مواقعة المعاصي . ثم هدد الملائكة بقوله { ومن يقل منهم اني إله } تحق لي العبادة من دون الله { فذلك نجزيه جهنم } معناه إن ادعى منهم مدع ذلك فانا نجزيه بعذاب جهنم ، كما نجازي الظالمين بها . وقال ابن جريج ، وقتادة : عنى بالآية ابليس ، لانه الذي ادعى الالهية من الملائكة دون غيره ، وذلك يدل على ان الملائكة ليسوا مطبوعين على الطاعات ، كما يقول الجهال . وقوله { كذلك نجزي الظالمين } معناه مثل ما جازينا هؤلاء نجزي الظالمين أنفسهم بفعل المعاصي . ثم قال { أولم ير الذين كفروا } أي اولم يعلموا { أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما } وقيل في معناه اقوال : قال الحسن وقتادة { كانتا رتقاً } اي ملتصقتين ففصل الله بينهما بهذا الهواء . وقيل { كانتا رتقاً } السماء لا تمطروا الارض لا تنبت ، ففتق الله السماء بالمطر والارض بالنبات ، ذكره ابن زيد وعكرمة . وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( ع ) . وقيل معناه : كانتا منسدتين لا فرج فيهما فصدعهما عما يخرج منهما . وانما قال : السموات ، والمطر والغيث ينزل من سماء الدنيا ، لأن كل قطعة منها سماء ، كما يقال : ثوب أخلاق ، وقميص اسمال . وقيل الرتق الظلمة ففتقهما بالضياء . وانما قال " كانتا " والسموات جمع ، لانهما صنفان ، كما قال الاسود بن يعفر النهشلي : @ إن المنية والحتوف كلاهما يوقي المحارم يرقبان سوادي @@ لانه على النوعين ، وقال القطامي : @ ألم يحزنك أن جبال قيس وتغ ـلب قد تباينتا انقطاعا @@ فثنى الجمع لما قسمه صنفين صنف لقيس وصنف لتغلب ، و { الرتق } السد رتق فلا الفتق رتقاً إذا سده ، ومنه الرتقاء : المرأة التي فرجها ملتحم . ووحد لانه مصدر وصف به . وقوله { وجعلنا من الماء كل شيء حي } والمعنى إن كل شيء صار حياً ، فهو مجعول من الماء . ويدخل فيه الشجر والنبات على التبع . وقال بعضهم : اراد بالماء النطف التى خلق الله منها الحيوان . والاول أصح . وقوله { أفلا يؤمنون } معناه أفلا يصدقون بما أخبرتهم . وقيل : معناه أفلا يصدقون بما يشاهدونه ، من أفعال الله الدالة على أنه المستحق للعبادة لا غير والمختص بها ، وانه لا يجوز عليه اتخاذ الصاحبة والولد . وقرأ ابن كثير وحده { ألم ير الذين كفروا } بغير واو . الباقون " أولم " بالواو . والألف التي قبل الواو ، الف توبيخ وتقرير .