Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 31-35)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال المبرد : معنى { أن تميد } أي منع الأرض { أن تميد } أي لهذا خلقت الجبال . ومثله قوله { أن تضل إحداهما } والمعنى عدة أن تضل أحداهما ، كقول القائل : أعددت الخشبة أن يميل الحائل فأدعمه . وهو لم يعدها ليميل الحائط ، وانما جعلها عدة ، لأن يميل ، فيدعم بها . يقول الله تعالى انا { جعلنا في الأرض رواسي } وهي الجبال ، واحدها راسية يقال : رست ترسو رسوّاً إذا ثبتت بثقلها ، وهي راسية . كما ترسو السفينة إذا وقفت متمكنة في وقوفها { أن تميد بكم } معناه ألا تميد بكم ، كما قال { يبين الله لكم أن تضلوا } والمعنى ألا تضلوا . وقال الزجاج : معناه كراهة أن تميد بكم . والميد الاضطراب ، بالذهاب فى الجهات ، يقال : ماد يميد ميداً ، فهو مائد . وقيل : إن الأرض كانت تميد وترجف ، رجوف السفينة بالوطئ ، فثقلها الله تعالى بالجبال الرواسي - لتمتنع من رجوفها . والوجه فى تثقيل الله تعالى الأرض بالرواسي مع قدرته على امساك الارض أن تميد ، ما فيه من المصلحة والاعتبار ، وكان ابن الاخشاذ يقول : لو لم يثقل الله الأرض بالرواسي لأمكن العباد أن يحركوها بما معهم من القدر ، فجعلت على صفة ما لا يمكنهم تحريكها . وقال قتادة : تميد بهم معناه تمور ، ولا تستقرّ بهم . وقوله { وجعلنا فيها فجاجاً } يعني فى الارض طرقاً ، والفج الطريق الواسع بين الجبلين . وقوله { لعلكم تهتدون } أي لكي تهتدوا فيه الى حوائجكم ومواطنكم ، وبلوغ أغراضكم . ويحتمل أن يكون المراد لتهتدوا ، فتستدلوا بذلك على توحيد الله وحكمته . وقال ابن زيد : معناه ليظهر شكركم ، فيما تحبون ، وصبركم فيما تكرهون . وقوله { وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً } وانما ذكرها ، لأنه أراد السقف ، ولو أنث كان جائزاً . وقيل : حفظها الله من أن تسقط على الارض . وقيل : حفظها من أن يطمع احد ان يتعرض لها بنقض ، ومن ان يلحقها ما يلحق غيرها من الهدم او الشعث ، على طول الدهر . وقيل : هي محفوظة من الشياطين بالشهب التي يرجمون بها . وقوله { وهم عن آياتها معرضون } اي هم عن الاستدلال بحججها وادلتها ، على توحيد الله معرضون . ثم قال تعالى مخبراً ، بأنه { هو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر } واخبر ان جميع ذلك { في فلك يسبحون } فالفلك هو المجرى الذي تجري فيه الشمس والقمر ، بدورانها عليه - فى قول الضحاك - وقال قوم : هو برج مكفوف تجريان فيه . وقال الحسن : الفلك طاحونة كهيئة فلك المغزل . والفلك في اللغة كل شيء دائر ، وجمعه افلاك قال الراجز : @ باتت تناصي الفلك الدوارا حتى الصباح تعمل الاقتارا @@ ومعنى { يسبحون } يجرون - في قول ابن جريج - وقال ابن عباس { يسبحون } بالخير والشر ، والشدة والرخاء . وانما قال { يسبحون } على فعل ما يعقل ، لأنه أضاف اليها الفعل الذي يقع من العقلاء ، كما قال { والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } وقال { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } وقال النابغة الجعدي : @ تمززتها والديك يدعو صباحه إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا @@ وقوله { كل في فلك يسبحون } أراد الشمس والقمر والنجوم ، لأن قوله " الليل " دل على النجوم . ثم قال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) و { ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } أي البقاء دائماً فى الدنيا { أفإن مت فهم الخالدون } اي لم يجعل لهم الخلود ، حتى لو مت أنت لبقوا أولئك مخلدين ، بل ما أولئك مخلدين . ثم أكد ذلك ، وبين بأن قال { كل نفس ذائقة الموت } والمعنى لا بد لكل نفس حية بحياة أن يدخل عليها الموت ، وتخرج عن كونها حية . وانما قال { ذائقة } لان العرب تصف كل أمر شاق على النفس بالذوق كما قال { ذق إنك أنت العزيز الكريم } وقال الفراء : إذا كان اسم الفاعل لما مضى جازت الاضافة ، وإذا كان للمستقبل ، فالاختيار التنوين ، ونصب ما بعده . ثم قال تعالى { ونبلوكم } اي نختبركم معاشر العقلاء بالشر والخير ، يعني بالمرض والصحة . والرخص والغلاء ، وغير ذلك من انواع الخير والشر { فتنة } أي اختباراً مني لكم ، وتكليفاً لكم . ثم قال { وإلينا ترجعون } يوم القيامة ، فيجازى كل انسان على قدر عمله . ودخلت الفاء في قوله " أفإن " وهي جزاء ، وفى جوابه ، لان الجزاء متصل بكلام قبله . ودخلت في { فهم } لانه جواب الجزاء ، ولو لم يكن فى { فهم } الفاء ، كان جائزاً على وجهين : احدهما - ان تكون مرادة ، وقد حذفت . والآخرى - أن تكون قد قدمت على الجزاء ، وتقديره { أفهم الخالدون } إن مت .