Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 6-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ عاصم { نوحي } بالنون . الباقون - بالياء - على ما لم يسم فاعله . من قرأ بالنون اراد الاخبار من الله تعالى عن نفسه ، بدلالة قوله { وما أرسلنا } لأن النون والالف اسم الله . لما حكى الله تعالى ما قال الكفار فى القرآن ، الذي أنزله الله على نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من أنهم قالوا تارة : هو اضغاث احلام ، يريدون أقاويله ، وتارة قالوا : بل اختلقه وافتعله . وتارة قالوا : هو شاعر ، لتحيرهم في امره . ثم قالوا { فليأتنا بآية } غير هذا على ما يقترحونها { كما أرسل } الانبياء { الأولون } بمثلها ، فقال الله تعالى { ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون } اي انا أظهرنا الآيات التي اقترحوها على الأمم الماضية ، فلم يؤمنوا عندها ، فأهلكناهم ، فهؤلاء ايضاً لا يؤمنون لو انزلنا ما ارادوه . وأراد الله بهذا الاحتجاج عليهم ان يبين ان سبب مجيء الآيات ليس لانه سبب يؤدي الى ايمان هؤلاء ، وانما مجيئها لما فيها من اللطف والمصلحة ، بدلالة انها لو كانت سبباً لايمان هؤلاء لكانت سبباً لايمان اولئك ، فلما بطل ان تكون سبباً لايمان اولئك ، بطل ان تكون سبباً لايمان هؤلاء على هذا الوجه . وقيل : ان معناه إنا لما اظهرنا الآيات التي اقترحوها على الأمم الماضية ، فلم يؤمنوا اهلكناهم ، فلو اظهرنا على هؤلاء مثلها لم يؤمنوا وكانت تقتضي المصلحة ان نهلكهم . ومثله قوله { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا ان كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة } وقال الفراء : المعنى ما آمنت قبلهم امة جاءتهم آية ، فكيف يؤمن هؤلاء ! . ثم اخبر تعالى انه لم يرسل قبل نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الى الامم الماضية { إلا رجالاً يوحى إليهم } ووجه الاحتجاج بذلك انه لو كان يجب ان يكون الرسول الى هؤلاء الناس من غير البشر ، كما طلبوه ، لوجب ان يكون الرسول الى من تقدمهم من غير البشر ، فلما صح إرسال رجال الى من تقدم ، صح الى من تأخر . وقال الحسن : ما ارسل الله إمراة ، ولا رسولا من الجن ، ولا من اهل البادية . ووجه اللطف فى إرسال البشر ان الشكل الى شكله آنس . وعنه افهم ومن الأنفة منه ابعد ، لأنه يجري مجرى النفس ، والانسان لا يأنف من نفسه . ثم قال لهم { فاسألوا أهل الذكر } عن صحة ما أخبرتكم به من انه لم يرسل الى من تقدم إلا الرجال من البشر وفى الآية دلالة على بطلان قول ابن حائط : من أن الله تعالى بعث الى البهائم والحيوانات كلها رسلا . واختلفوا في المعني بأهل الذكر ، فروي عن أمير المؤمنين ( ع ) انه قال : ( نحن اهل الذكر ) ويشهد لذلك أن الله تعالى سمى نبيه ذكراً بقوله { ذكراً رسولاً } وقال الحسن : وقتادة : هم أهل التوارة والانجيل . وقال ابن زيد : أراد اهل القرآن ، لان الله تعالى سمى القرآن ذكراً في قوله { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وقال قوم : معناه واسألوا اهل العلم باخبار من مضى من الأمم هل كانت رسل الله رجالا من البشر أم لا ؟ . وقيل في وجه الأمر بسؤال الكفار عن ذلك قولان : احدهما - انه يقع العلم الضروري بخبرهم إذا كانوا متواترين ، واخبروا عن مشاهدة ، هذا قول الجبائي . والثاني - ان الجماعة الكثيرة إذا أخبرت عن مشاهدة حصل العلم بخبرها إذا كانوا بشروط المتواترين وإن لم يوجب خبرهم العلم الضروري . وقال البلخي : المعنى انك لو سألتهم عن ذلك لأخبروك أنا لم نرسل قبلك إلا رجالا . وقال قوم : أراد من آمن منهم . ولم يرد الأمر بسوءال غير المؤمن . ثم اخبر تعالى انه لم يبعث رسولا ممن أرسله إلا وكان مثل سائر البشر يأكل الطعام ، وانه لم يجعلهم مثل الملائكة لا يأكلون الطعام ، وأنهم مع ذلك لم يكونوا خالدين مؤبدين ، بل كان يصيبهم الموت والفناء كسائر الخلق . وانما وحد { جسداً } لأنه مصدر يقع على القليل والكثير ، كما لو قال : وما جعلناهم خلقاً . ثم قال تعالى { ثم صدقناهم الوعد } يعني الانبياء الماضين ما وعدناهم به من النصر والنجاة ، والظهور على الاعداء ، وما وعدناهم به من الثواب ، فانجيناهم من اعدائهم ، ومعهم من نشاء من عبادنا ، واهلكنا المسرفين على انفسهم ، بتكذيبهم للانبياء . وقال قتادة : المسرفون هم المشركون . والمسرف الخارج عن الحق الى ما تباعد عنه . يقال : اسراف إسرافاً إذا جاوز حد الحق وتباعد عنه . ثم اقسم تعالى بقوله { لقد أنزلنا إليكم } ، لان هذه اللام يتلقى بها القسم ، بأنا أنزلنا عليكم { كتاباً } يعني القرآن { فيه ذكركم } قال الحسن : معناه فيه ما تحتاجون اليه من أمر دينكم . وقيل : فيه شرفكم إن تمسكتم به ، وعملتم بما فيه . وقيل : ذكر ، لما فيه من مكارم الاخلاق ، ومحاسن الافعال { أفلا تعقلون } يعني أفلا تتدبرون ، فتعلموا أن الأمر على ما قلناه .