Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 111-118)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ حمزة والكسائي وخارجة عن نافع { أنهم هم الفائزون } بكسر الهمزة . الباقون بفتحها . وقرأ ابن كثير { قل كم لبثتم } على الامر . الباقون { قال كم لبثتم } على الخبر . وقرأ حمزة والكسائي { قل } فيهما على الأمر . الباقون { قال } فيهما على الخبر . وقرأ { ترجعون } بفتح التاء وكسر الجيم حمزة والكسائي . الباقون بضم التاء وفتح الجيم . اخبر الله تعالى { إني جزيتهم اليوم } يعني المؤمنين الذين سخر منهم الكفار فى دار التكليف ، وأكافيهم على صبرهم ومضضهم في جنب الله ، على أقوال الكفار وهزؤهم بهم بـ { أنهم هم الفائزون } وحذف الباء ، ونصب الهمزة ، وقيل : إنها فى موضع جر ، وتقديره جزيتهم بفوزهم بالجنة . وقيل تقديره : لانهم هم الفائزون . ومن خفض الهمزة فاستأنف ، فالجزاء مقابلة العمل بما يستحق عليه من ثواب أو عقاب كما يقال : الناس مجزّيون بأعمالهم إن خيراً فخيراً ، وإن شراً فشراً . والصبر حبس النفس عما تنازع اليه مما لا يحسن ، أو ليس بأولى ، لان الصبر طاعة الله لما وعد عليه من الجزاء ، والطاعة قد تكون فرضاً ، وقد تكون نفلا . وقوله { اليوم } يريد به أيام الجزاء لا يوماً بعينه ، لأن اليوم هو ما بين طلوع الفجر الثاني الى غروب الشمس ، وليس المراد في الآية ذلك . قوله { قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين } فمن قرأ { قال } فمعناه قال الله لهم كم لبثتم . ومن قرأ { قل } معناه قل لهم يا محمد ، واللبث هو المكث وهو حصول الشيء على الحال اكثر من وقت واحد ، واللابث هو الكائن على الصفة ، على مرور الأوقات . والعدد عقد يظهر به مقدار المعدود ، يقال : عده يعده عداً وعدداً ، فهو عاد . والحساب هو اخراج المقدار فى الكمية وهي العدة ، وهذا السؤال لهم على وجه التوبيخ لانكارهم البعث والنشور ، فيقول الله لهم اذا بعثهم { كم لبثتم في الأرض عدد سنين } اي اين ما كنتم تنكرون من اجابت الرسل وما جاءت به وتكذبون به . وقوله { قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم } فسأل العادين قال مجاهد : معناه فسأل العادين من الملائكة لانهم يحصون أعمال العباد . وقال قتادة : العادين هم الحساب الذين يعدون الشهور والسنين ، ولا يدل ذلك على بطلان عذاب القبر ، لانهم لم يكونو يعدون كاملي العقول ، وقد صح عذاب القبر بتضافر الاخبار عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) واجماع الامة عليه - ذكره الرماني - ولا يحتاج الى هذا ، لانه لا يجوز أن يعاقب الله العصاة إلا وهم كاملوا العقول ليعلموا أن ذلك واصل إليهم على وجه الاستحقاق . ووجه اخبارهم بيوم او بعض يوم ، هو الاخبار عن قصر المدة ، وقلته ، لما مضى لسرعة حصولهم فى ما توعدهم الله تعالى ، فيقول الله تعالى في الجواب { إن لبثتم إلا قليلاً } اي لم تلبثوا إلا قليلا ، والمراد ما قلناه من قصر المدة كما قال { اقترب للناس حسابهم } وكما قال { اقتربت الساعة } وكما قال { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } وقال الحسن : معناه { إن لبثتم إلا قليلاً } فى طول لبثكم فى النار ، والقلة والكثرة يتغيران بالاضافة ، فقد يكون الشيء قليلا بالاضافة الى ما هو أكثر منه ، ويكون كثيراً بالاضافة الى ما هو أقل منه { لو أنكم كنتم تعلمون } صحة ما أخبرناكم به . ثم قال لهم { أفحسبتم } معاشر الجاحدين للبعث والنشور { أنما خلقناكم عبثاً } لا لغرض ! ؟ ! أي ظنتتم ، والحسبان والظن واحد ، أي ظننتم انا خلقناكم لا لغرض ، وحسبتم { أنكم إلينا لا ترجعون } أي الى الحال التي لا يملك نفعكم وضركم فيها إلا الله ، كما كنتم في ابتداء خلقكم قبل أن يملك أحداً شيئاً من أمركم . ثم نزه تعالى نفسه عن كل دنس ، واخبر انه { فتعالى الله الملك الحق } ومعناه : علا معنى صفته ، فوق كل صفة لغيره ، فهو تعظيم الله تعالى بأن كل شيء سواه يصغر مقداره عن معنى صفته . { والملك الحق } هو الذي يحق له الملك ، بأنه ملك غير مملك ، وكل ملك غيره ، فملكه مستعار له ، وانما يملك ما ملكه الله ، فكأنه لا يعتد بملكه في ملك ربه ، والحق هو الشيء الذي من اعتقده كان على ما اعتقده ، فالله الحق ، لأنه من اعتقد انه لا إله إلا هو ، فقد اعتقد الشيء على ما هو به . وقوله { رب العرش الكريم } أي خالقه ، ووصفه العرش بأنه كريم تعظيم له باتيان الخير من جهته ، بما دبره الله لعباده ، والكريم في أصل اللغة القادر على التكرم من غير مانع . ثم قال { ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به } ومعناه إن من دعا مع الله إلهاً سواه لا يكون له على ذلك برهان ولا حجة ، لأنه باطل ، ولو دعا الله ببرهان لكان محقاً ، واجري على ذلك قوله { ويقتلون النبيين بغير حق } وقول الشاعر : @ على لا حب لا يهتدى بمناره @@ وقوله { فإنما حسابه على ربه } يعني الله الذي يبين له مقدار ما يستحقه من ثواب او عقاب . ثم اخبر تعالى بأنه { لا يفلح الكافرون } يعني الجاحدين لنعم الله ، والمنكرين لتوحيده ، والدافعين للبعث والنشور . ثم امر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له { قل } يا محمد { رب اغفر وارحم } أي اغفر الذنوب ، وانعم على خلقك . { وأنت خير الراحمين } معناه افضل من رحم وانعم على غيره ، واكثرهم نعمة وأوسعهم فضلا .