Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 1-7)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى { قد أفلح المؤمنون } أي فازوا بثواب الله ، الذين صدّقوا بالله واقروا بواحدانيته وصدقوا رسله . وقيل : معناه ، قد سعدوا ، قال لبيد : @ فاعقلي ان كنت لما تعقلي ولقد أفلح من كان عقل @@ وقيل معنى { أفلح } بقي أي بقيت أعمالهم الصالحة ، ومنه قولهم ( حي على الفلاح ) أي على بقاء أعمال الخير ، ومعنى { قد } تقريب الماضي من الحال ، فدل على أن فلاحهم قد حصل بما هم عليه في الحال ، وهذا أبلغ في الصفة من تجريد ذكر الفعل . ثم وصف هؤلاء المؤمنين بأوصاف ، فقال { الذين هم في صلاتهم خاشعون } أي خاضعون متذللون لله فيها . وقيل : معناه يسعون ، مقبلون على الصلاة بالخضوع والتذلل لربهم . وقيل : معناه خائفون . وقال مجاهد : هو غض الطرف وخفض الجناح . وقيل : أن ينظر المصلي الى موضع سجوده . وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يرفع بصره الى السماء . فلما نزلت هذه الآية طأطأ رأسه ، ونظر الى مصلاه . والخشوع في الصلاة هو الخضوع بجمع الهمة لها ، والاعراض عما سواها ، لتدبر ما يجري فيها : من التكبير ، والتسبيح ، والتحميد لله ، وتلاوة القرآن . وهو موقف الخاضع لربه الطالب لمرضاته بطاعاته . ثم زاد في صفاتهم فقال { والذين هم عن اللغو معرضون } واللغو هو القول والفعل الذي لا فائدة فيه يعتد بها ، وهو قبيح على هذا الوجه . وقال ابن عباس : اللغو - ها هنا - الباطل . وقال السدي : هو الكذب . وقال الكلبي هو الحلف . وحكى النقاش : انهم نهوا عن سباب الكفار إذا سبوهم ، وعن محادثتهم . ثم قال { والذين هم للزكاة فاعلون } أي يؤدون ما يجب عليهم في أموالهم من الصدقات ، وسميت زكاة ، لأنه يزكو بها المال عاجلا وآجلا . ثم قال { والذين هم لفروجهم حافظون } قيل عنى بالفروج - ها هنا - فرج الرجل خاصة بدلالة قوله { الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } ثم استثنى من الحافظين لفروجهم من لا يحفظ فرجه عن زوجته ، أو ما تملك يمينه من الاماء على ما أباحه الله له ، لأن التزويج ينبغي أن يكون ، على وجه اباحة الله تعالى . و ( ملك اليمين ) في الآية المراد به الاماء لأن الذكور من المماليك لا خلاف في وجوب حفظ الفرج منهم . ومن ملك الأيمان ، لا يجمع بين الاختين في الوطئ ، ولا بين الأم والبنت . وكل ما لم يجز الجمع بينهم في العقد ، فلا يجوز الجمع بينهم في الوطئ بملك اليمين . ولا يخرج من الآية وطؤ المتمتع بها ، لأنها زوجة عندنا ، وإن خالف حكمها حكم الزوجات في احكام كثيرة ، كما أن حكم الزوجات مختلف في نفسه . وذكره تعالى هذه الاوصاف ومدحه عليها يكفي ويغني عن الأمر بها ، لما فيها من الترغيب كالترغيب في الأمر ، وأنها مرادة ، كما أن المامور به مراد ، وكلها واجب . وانما قيل للجارية ( ملك يمين ) ولم يقل في الدار ( ملك يمين ) لأن ملك الجارية أخص من ملك الدار إذ له نقض بنية الدار ، وليس له نقض بنية الجارية ، وله عارية الدار ، وليس له عارية الجارية ، حتى توطأ بالعارية ، فلذلك خص الملك في الأمة ، وانما قال { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } مع تحريم وطئها على وجوه : كتحريم وطئ الزوجة . والأمة في حال الحيض ، ووطئ الجارية إذا كان لها زوج ، أو كانت في عدة من زوج . وتحريم وطئ المظاهرة قبل الكفارة ، لأن المراد بذلك على ما يصح ويجوز ، مما بينه الله ، وبينه رسوله في غير هذا الموضع ، وحذف لأنه معلوم ، وهي من الامور العارضة في هذه الوجوه ايضاً ، فان من وطأ الزوجة أو الأمة في الاحوال التي حرم عليه وطؤها ، فانه لا يلزمه اللوم من حيث كانت زوجة أو ملك يمين وإنما يستحق اللوم من وجه آخر . واللوم والذم واحد ، وضدهما الحمد والمدح . ثم قال تعالى { فمن ابتغى وراء ذلك } ومعناه من طلب سوى ذلك يعني الزوجية ، وملك اليمين ، فهو عاد . والابتغاء والبغية الطلب . والبغاء طلب الزنا ، والباغي طالب الاعتداء . و { العادون } هم الذين يتعدون الحلال الى الحرام . وقوله " وراء " - ها هنا - قيل : معناه غير . وقال الفراء معناه { إلا على أزواجهم } إلا من أزواجهم { أو ما ملكت أيمانهم } في موضع خفض .