Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 62-67)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى مخبراً عن نفسه { لا نكلف نفساً إلا وسعها } يعنى إلا على قدر طاقتها وقوتها ، ومثله قوله تعالى { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } والوسع الحال التي يتسع بها السبيل الى الفعل . وقيل : إن الوسع دون الطاقة . والتكليف تحميل ما فيه المشقة بالأمر والنهي والاعلام ، وهو مأخوذ من الكلفة فى الفعل ، والله تعالى مكلف عباده تعريضاً لهم للنفع الذي لا يحسن الابتداء بمثله ، وهو الثواب . وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة : فى تكليف ما لا يطاق ، لأنه لو كلف ما لا يطيقه العبد لكان قد كلفه ما ليس في وسعه . والآية تمنع من ذلك . وقوله { ولدينا كتاب ينطق بالحق } يريد الكتاب الذي فيه اعمال العباد مكتوبة من الطاعة والمعصية تكتبه عليه الملائكة الموكلون به كما قال { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ثم أخبر تعالى { إنهم لا يظلمون } أي لا يؤاخذون بما لا يفعلونه ولا ينقصون عما استحقوه . ثم اخبر تعالى فقال { بل قلوبهم في غمرة من هذا } اى فى غفلة من هذا اليوم ، وهذه المجازاة . وقال الحسن : معناه في حيرة . وهذا اخبار منه تعالى بما يكون منهم في المستقبل من الاعمال القبيحة ، زائدة على ما ذكره وحكاه أنه فعلهم { ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون } قيل فى معناه قولان : احدهما - قال قتادة وابو العالية - وفى رواية عن مجاهد - ان لهم خطايا من دون الحق . والثاني - قال الحسن وابن زيد - وفى رواية عن مجاهد - ايضاً : أعمالا من دون ما هم عليه لا بد من ان يعملوها . وقوله { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون } فالمترف المتقلب في لين العيش ونعومته . ومنه قوله { وأترفناهم في الحياة الدنيا } و { يجأرون } معناه يضجون ، لشدة العذاب . وقال ابن عباس : يستغيثون . وقال مجاهد : كان ذلك بالسيوف يوم بدر ، والجؤار : رفع الصوت ، كما يجأر الثور ، قال الاعشى : @ يراوح من صلوات المليـ ك طوراً سجوداً وطوراً جؤارا @@ وقيل معنى { يجأرون } يصرخون بالتوبة ، فيقول الله لهم { لا تجأروا اليوم } أي لا تصرخوا فى هذا اليوم { إنكم منا لا تنصرون } بقبول التوبة ، ولا لكم من يدفع عنكم ما أفعله من العذاب . ثم يقول الله تعالى لهم { قد كانت آياتي } أي حججي وبراهيني { تتلى عليكم } من القرآن وغيره { فكنتم على أعقابكم تنكصون } فالنكص الرجوع القهقرى وهو المشي على الاعقاب الى خلف ، وهو أقبح مشية . مثل شبه الله به أقبح حال فى الاعراض عن الداعي الى الحق . وقال سيبويه : لأنه يمشي ولا يرى ما وراءه ، فهو النكوص . وقال مجاهد : ينكصون معناه يستأخرون . وقيل : يدبرون . وقوله { مستكبرين } نصب على الحال ، ومعناه { تنكصون } فى حال تكبركم عن الانقياد لحجج الله ، والاجابة لانبيائه . وقال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والضحاك : { مستكبرين به } أي يحرم الله أنه لا يظهر عليكم فيه أحد . وقوله { سامراً تهجرون } فالسامر الذي يحدث بالسمر ليلا ، ومنه السمرة والسمار ، لان جميع ذلك من اللون الذي بين السواد والبياض . وقيل : السمر ظل القمر ، ويقال له الفخت ، ومعنى { سامراً } أي سماراً ، فوضع الواحد موضع الجمع لانه فى موضع المصدر ، كما يقال قوموا قائماً أي قياماً قال الشاعر : @ من دونهم إن جئتم سمراً عزف القيان ومجلس غمر @@ وكانوا يسمرون حول الكعبة بالليل . وقيل : انما وحد ، لأنه في موضع الوقت وتقديره لئلا تهجرون ، والهجر الكلام المرفوض ، وهو المهجور منه ، لأنه لا خير فيه . والنائم يهجر في نومه أي يأتي بكلام مختلط لا فائدة فيه . وفى معنى تهجرون قولان : احدهما - تهجرون الحق بالاعراض عنه ، فى قول ابن عباس . الثاني - تقولون الهجر ، وهو السيء من القول ، فى قول سعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد . وقرأ نافع وحده { تهجرون } بضم التاء أراد من الهجر ، وهو الكلام السيء . الباقون بفتح التاء وضم الجيم ، على ما فسرناه ، يقال : هجر يهجر هجراً إذا هذى .