Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 41-44)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابو جعفر المدني { يذهب بالأبصار } بضم الياء . الباقون بفتحها . وقد مضى ذكر مثله . يقول الله تعالى لنبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) { ألم تر } يا محمد والمراد به جميع المكلفين أي ألم تعلم ان الذي ذكره في الآية لايرى بالابصار وانما يعلم بالادلة ، { أن الله يسبح له من في السماوات والأرض } فالتسبيح التنزيه لله تعالى عن جميع ما لا يجوز عليه ، ولا يليق به ، فمن نفى عنه الصاحبة والولد ، فقد سبحه ، لانه يرأه مما لا يجوز عليه ، ومن نفى عنه أن يكون له شريك في ملكه او عبادته ، فقد سبحه ، لانه برّأه مما لا يجوز عليه ، وكذلك من نفى عنه فعل القبيح ، فقد سبحه ، لانه برأه مما لا يجوز عليه . وتسبيح من في السموات والارض إنما هو بما فيها من الدلالات على توحيده ، ونفي الصاحبة عنه ، ونفي تشبيهه بخلقه وتنزيهه عما لا يليق به ، مما يدل على ذلك ويدعو اليه ، كأنه المسبح له . وقوله { والطير صافات } معناه وتسبحه الطير صافات فى حال اصطفافها في الهواء ، لانها إذا صفت اجنحتها في الهواء وتمكنت من ذلك كان في ذلك دلالة وعبرة على أن ممكنها من ذلك لا يشبه شيئاً من المخلوقات . وقوله { كل قد علم صلاته وتسبيحه } معناه : إن جميع ذلك قد علم الله تعالى صلاته ، يعني دعاءه الى توحيده ، وتسبيحه ، وتنزيهه عما لا يليق به . وقال مجاهد : الصلاة للانسان ، والتسبيح لكل شيء . وقيل : كل قد علم صلاته أي صلاة نفسه ، وتسبيح نفسه ، فيكون الضمير فى علم لـ ( كل ) ، وعلى الأول يعود على اسم الله ، والأول أجود ، لان هذه الاشياء كلها لا يعلم كيفية دلالتها غير الله . وانما الله تعالى عالم بذلك ، ويقويه قوله { والله عليم بما يفعلون } أي عالم بأفعالهم ، لا يخفى عليه شيء منها ، فيجازيهم بحسبها . ثم اخبر تعالى فقال { ولله ملك السماوات والأرض } ، والملك المقدور الواسع لمن يملك السياسة والتدبير ، فملك السموات والارض لا يصح إلا لله وحده لا شريك له ، لانه لا يقدر على خلق الاجسام غيره ، وليس مما يصح أن يملكه العبد ، لانه لا يمكنه أن يصرفه أتم التصريف ، فالملك التام ، لا يصح الا لله تعالى . وقوله { وإلى الله المصير } اي اليه المرجع يوم القيامة ، الى ثوابه او عقابه . ثم قال { ألم تر } اي الم تعلم { أن الله يزجي سحاباً } اى يسوق سحاباً الى حيث يريده ، ومنه زجا الخراج إذا انساق الى أهله وازجاه فلان أي ساقه { ثم يؤلف بينه } أي بين بعضه وبعض ، لان لفظ سحاب جمع ، واحده سحابة ، وهو كقولهم : جلس بين النخل ، لان لفظ بين لا تستعمل إلا فى شيئين فصاعداً . وقوله { ثم يجعله ركاماً } وهو المتراكب بعضه فوق بعض { فترى الودق } يعني المطر ، يقال : ودقت السحابة ، تدق ودقاً إذا أمطرت قال الشاعر : @ فلا مزنة ودقت ودقها ولا ارض ابقل إبقالها @@ { يخرج من خلاله } فالخلال جمع خلل . وقوله { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } معنى { من } الاولى ، لابتداء الغاية ، لان { من السماء } ابتداء الانزال بالمطر ، والثانية للتبعيض ، لأن البرد بعض الجبال التي فى السماء ، والثالثة لتبيين الجنس ، لان جنس الجبال جنس البرد . وقيل فى السماء جبال برد مخلوقة في السماء . وقال البلخي : يجوز أن يكون البرد يجتمع في السحاب كالجبال ثم ينزل منها . وقيل السماء هو السحاب ، لان كل ما علا مطبقاً فهو سماء . وقال الفراء : يجوز أن يكون المراد وينزل من السماء قدر جبال من برد ، كما تقول : عندي بيتان من تبن أي قدر بيتين . وقال الحسن : فى السماء جبال برد ، وقيل المعنى : قدر جبال يجعل منها برداً على ما حكيناه عن الفراء . وقوله { فيصيب به } يعني بذلك البرد { فيصيب به من يشاء } ان يهلك أو يهللك ماله { ويصرفه عمن يشاء } على حسب اقتضاء المصلحة . وقوله { يكاد سنا برقه } أي ضياء البرق ، فسنا البرق مقصور ، وسناء المجد ممدود . وقال ابن عباس وابن زيد : يعني ضوء برقه يكاد يختطف الابصار . وقال قتادة : لمعان برقه . وقوله { يقلب الله الليل والنهار } يعني يجيء بالنهار عقيب الليل ، وباليل عقيب النهار . وقيل : يزيد من هذا في ذاك وينقص من ذاك في هذا { إن في ذلك لعبرة } اي دلالة { لأولي الأبصار } يعني ذوي العقول الذين يبصرون بقلوبهم . وفي الآية دلالة على وجوب النظر ، وفساد التقليد ، لانه تعالى مدح المعتبرين بعقولهم بما نبه من الدلالات والآيات الدالة على توحيده وعدله وغير ذلك .