Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 46-50)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اقسم الله تعالى في هذه الآية انه انزل { آيات مبينات } أي دلالات واضحات تظهر بها المعاني ، وتتميز ، مما خالفها حتى تعلم مفصلة . ومن كسر الياء ، جعلها من المبينة المظهرة مجازاً ، من حيث يتبين بها ، فكأنها المبينة . وقوله { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } معناه والله يلطف لمن يشاء بما يعلم انه يهتدي عنده { إلى صراط مستقيم } واضح : من توحيده وعدله وصدق أنبيائه . والهداية الدلالة التي يهتدي بها صاحبها الى الرشد ، وقد تطلق على ما يصح أن يهتدى بها ، كما قال تعالى { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } لأن المراد فى الآية اللطف على ما قلناه . وقال الجبائي : قوله { يهدي من يشاء } يعني المكلفين دون من ليس بمكلف ، ويجوز أن يكون المراد هدايتهم فى الآخرة الى طريق الجنة ، والصراط المستقيم الايمان لأنه يؤدي الى الجنة . وقوله { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين } قيل انها نزلت فى صفة المنافقين ، لانهم يقولون بألسنتهم : آمنا بالله وصدقنا رسوله ، فاذا انصرفوا إلى أصحابهم قالوا خلاف ذلك ، فأخبر الله تعالى أن هؤلاء ليسوا بمؤمنين على الحقيقة . ثم اخبر عن حال هؤلاء فقال : { وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم } فى شيء يختلفون فيه { إذا فريق منهم } يعني المنافقين { معرضون } عن ذلك . ولا يختارونه ، لانه يكون الحق عليهم . ثم قال { وإن يكن لهم الحق } وتتوجه لهم الحكومة { يأتوا اليه } يعني الى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منقادين { مذعنين } والاذعان هو الانقياد من غير اكراه ، فهؤلاء المنافقون إذا دعوا الى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليحكم بينهم في شيء اختلفوا فيه ، امتنعوا ظلماً ، لانفسهم ، وكفروا بنبيهم ، ففضحهم الله بما أظهر من جهلهم ونفاقهم . و قيل انها نزلت فى رجل من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود حكومة ، فدعاه اليهودي الى رسول الله ، ودعاه المنافق الى كعب بن الاشرف . وقيل انها نزلت في علي ( ع ) ورجل من بني أمية دعاه علي الى رسول الله ، ودعاه الاموي الى اليهود ، وكان بينهما منازعة في ماء وأرض . وحكى البلخي انه كانت بين علي ( ع ) وعثمان منازعة في أرض اشتراها من علي ، فخرجت فيها أحجار ، واراد ردها بالعيب ، فلم يأخذها ، فقال بيني وبينك رسول الله ، فقال الحكم ابن أبي العاص ان حاكمته الى ابن عمه حكم له ، فلا تحاكمه اليه ، فانزل الله الآية . ثم قال تعالى منكراً عليهم { أفي قلوبهم مرض } أي شك فى قلوبهم ، وسمي الشك مرضاً ، لانه آفة تصد القلب عن ادراك الحق ، كالآفة في البصر تصد عن ادراك الشخص ، وانما جاء على لفظ الاستفهام ، والمراد به الانكار ، لانه أشد فى الذم والتوبيخ أى ان هذا كفر ، قد ظهر حتى لا يحتاج فيه الى البينة ، كما جاز فى نقيضه على طريق الاستفهام ، لأنه أشد مبالغة في المدح ، كما قال جرير : @ ألستم خير من ركب المطايا واندى العالمين بطون راح @@ فقال الله تعالى { أفي قلوبهم مرض } أى شك فى النبي { أم ارتابوا } بقوله وبحكمه { أم يخافون أن يحيف الله ورسوله عليهم } أى يجور عليهم ، والحيف الجور بنقض الحق ، ويحيف عليهم : يظلمهم ، لانه لا وجه للامتناع عن المجيء إلا أحد هذه الثلاثة . ثم اخبر تعالى فقال : ليس لشيء من ذلك ، بل لانهم الظالمون نفوسهم وغيرهم ، والمانعون لهم حقوقهم ، وإنما افرد قوله { ليحكم بينهم } بعد قوله { إلى الله ورسوله } ، لانه حكم واحد يوقعه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأمر الله .