Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 55-55)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن كثير وابو بكر عن عاصم { وليبدلنهم } بالتخفيف . الباقون بالتشديد . وقرأ ابو بكر عن عاصم { كما استخلف } بضم التاء على ما لم يسم فاعله . الباقون بفتحها . قال ابو علي : الوجه فتح التاء ، لأن اسم الله قد تقدم ذكره ، والضمير فى { يستخلفنهم } يعود الى الاسم ، فكذلك قوله { كما استخلف } لان المعنى ليستخلفنهم استخلافاً كاستخلافه الذين من قبلهم . ومن ضم التاء ذهب الى ان المراد به مثل المراد بالفتح . فى هذه الآية وعد من الله تعالى للذين آمنوا من اصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعملوا الصالحات ، بأن يستخلفهم فى الارض ، ومعناه يورثهم أرض المشركين من العرب والعجم { كما استخلف الذين من قبلهم } يعني بني اسرائيل بأرض الشام بعد اهلاك الجبابرة بأن أورثهم ديارهم وجعلهم سكانها . وقال الجبائي : { استخلف الذين من قبلهم } يعني فى زمن داود وسليمان . وقال النقاش : يريد بالأرض أرض مكة ، لان المهاجرين سألوا ذلك ، والاول قول المقداد بن الاسود ، وروى عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " لا يبقى على الارض بيت مدر ، ولا وبر إلا ويدخله الاسلام بعز عزيز أو ذل ذليل " . وفي ذلك دلالة على صحة نبوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه أخبر عن غيب وقع مخبره على ما أخبر ، وذلك لا يعلمه إلا الله تعالى { وليمكنن لهم دينهم الذي أرتضى لهم } يعني يمكنهم من إظهار الاسلام الذي ارتضاه ديناً لهم { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً } أي نصرهم بعد أن كانوا خائفين بمكة وقت غلبة المشركين آمنين بقوة الاسلام وانبساطه . ثم اخبر عن المؤمنين الذين وصفهم بأنهم يعبدون الله تعالى وحده لا يشركون بعبادته سواه من الاصنام والاوثان وغيرهما . ويجوز ان يكون موضعه الحال . ويجوز أن يكون مستأنفاً . ثم قال { ومن كفر بعد ذلك } يعني بعد الذي قصصنا عليك ووعدناهم به { فأولئك هم الفاسقون } وإنما ذكر الفسق بعد الكفر مع أن الكفر أعظم من الفسق ، لأحد امرين : احدهما - انه أراد الخارجين في كفرهم الى أفحشه ، لان الفسق في كل شيء هو الخروج الى اكبره . الثاني - أراد من كفر تلك النعمة بالفساد بعدها ، فسق وليس يعني الكفر بالله ، ذكره ابو العالية . والتبديل - تغيير حال الى حال أخرى ، تقول : بدل صورته تبديلا ، وتبدل تبدلا ، والابدال رفع الشيء بأن يجعل غيره مكانه ، قال ابو النجم : @ عزل الامير بالأمير المبدل @@ والتبديل رفع الحال الى حال أخرى . والابدال رفع النفس الى نفس أخرى . والأصل واحد ، وهو البدل . واستدل الجبائي ، ومن تابعه على إمامة الخلفاء الأربعة بأن قال : الاستخلاف المذكور فى الآية لم يكن إلا لهؤلاء ، لأن التمكين المذكور في الآية إنما حصل في أيام ابي بكر وعمر ، لان الفتوح كانت فى أيامهم ، فأبو بكر فتح بلاد العرب وطرفاً من بلاد العجم ، وعمر فتح مداين كسرى الى حد خراسان وسجستان وغيرهما ، فاذا كان التمكين والاستخلاف ها هنا ليس هو إلا لهؤلاء الائمة الأربعة . واصحابهم علمنا أنهم محقون . والكلام على ذلك من وجوه : احدها - ان الاستخلاف - ها هنا - ليس هو الامارة والخلافة . بل المعنى هو ابقاؤهم فى أثر من مضى من القرون ، وجعلهم عوضاً منهم وخلفاً ، كما قال { هو الذي جعلكم خلائف في الأرض } وقال { عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض } وقال { وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء } وكقوله { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } أي جعل كل واحد منهما خلف صاحبه ، وإذا ثبت ذلك ، فالاستخلاف والتمكين الذي ذكره الله في الآية ، كانا في أيام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين قمع الله اعداءه وأعلا كلمته ونشر ولايته ، واظهر دعوته ، وأكمل دينه ، ونعوذ بالله أن نقول : لم يمكّن الله دينه لنبيه في حياته حتى تلا فى ذلك متلاف بعده ، وليس ذلك التمكين كثرة الفتوح والغلبة على البلدان ، لأن ذلك يوجب أن دين الله لم يتمكن بعد الى يومنا هذا لعلمنا ببقاء ممالك للكفر كثيرة لم يفتحها المسلمون ، ويلزم على ذلك إمامة معاوية وبني أمية ، لأنهم تمكنوا اكثر من تمكن أبي بكر وعمر ، وفتحوا بلاداً لم يفتحوها . ولو سلمنا أن المراد بالاستخلاف الامالة للزم أن يكون منصوصاً عليهم ، وذلك ليس بمذهب اكثر مخالفينا ، وإن استدلوا بذلك على صحة إمامتهم احتاجوا أن يدلوا على ثبوت امامتهم بغير الآية ، وانهم خلفاء الرسول حتى تتناولهم الآية . فان قالوا : المفسرون ذكروا ذلك . قلنا : لم يذكر جميع المفسرين ذلك ، فان مجاهداً قال : هم أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . وعن ابن عباس وغيره : قريب من ذلك . وقال أهل البيت ( ع ) إن المراد بذلك المهدي ( ع ) لأنه يظهر بعد الخوف ، ويتمكن بعد ان كان مغلوباً ، فليس فى ذلك اجماع المفسرين . وهذا أول ما فيه . قد استوفينا ما يتعلق بالآية في كتاب الامامة ، فلا نطول بذكره - ها هنا - وقد تكلمنا على نظير هذه الآية ، وان ذلك ليس بطعن على واحد منهم ، وانما المراد الممانعة من أن يكون فيها دلالة على الامامة ، وكيف يكون ذلك . ولو صح ما قالوه لما احتيج الى اختياره ، ولكان منصوصاً عليه ، وليس ذلك مذهباً لأكثر العلماء ، فصح ما قلناه .