Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 1-6)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى تبارك : تقدس وجل ، بما لم يزل عليه من الصفات ، ولا يزال كذلك ، ولا يشاركه فيها غيره . وأصله من بروك الطير على الماء ، فكأنه قال : ثبت فيما لم يزل ولا يزال الذي نزل الفرقان على عبده . وقال ابن عباس : تبارك ( تفاعل ) من البركة ، فكأنه قال ثبت بكل بركة او حل بكل بركة . وقال الحسن : معناه الذي تجيء البركة من قبله ، والبركة الخير الكثير . والفرقان هو القرآن ، سمي فرقاناً لأنه يفرق به بين الصواب والخطأ ، والحق والباطل فى امور الدين ، بما فيه من الوعظ والزجر عن القبائح والحث على افعال الخير . ثم بين تعالى انه انما نزل هذا القرآن ، وغرضه أن يكون نذيراً للعالمين ، أي مخوفاً وداعياً لهم الى رشدهم ، وصارفاً لهم عن غيهم وضلالتهم ، يقال : أنذره إنذاراً إذا دعاه الى الخير ، بأن يخوفه من تركه : إذا كان غافلا عنه ، وقال ابن زيد : النذير هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . وقال آخرون : هو القرآن . ثم وصف تعالى { الذي نزل الفرقان } بأنه { الذي له ملك السماوات والأرض } والتصرف فيهما ، بسعة مقدوره بسياستها . وانه { لم يتخذ ولداً } كما يدعيه النصارى فى أن المسيح ابن الله ، ويزعم جماعة من العرب أن الملائكة بنات الله . وأنه ليس له شريك فى الملك ، بل هو المالك لجميع ذلك وحده ، وانه { خلق كل شيء } وقيل فى معناه قولان : احدهما - ان كل شيء يطلق عليه اسم مخلوق ، فانه خلقه ، لأن أفعالنا لا يطلق عليها اسم الخلق حقيقة ، لان الخلق يفيد الاختراع ، وانما يسمونها بذلك مجازاً . والثاني - انه لا يعتد بما يخلقه العبد فى جنب ما خلقه الله ، لكثرة ذلك وقلة ما يخلقه العبد . ويحتمل ان يكون المراد قدّر كل شيء ، لان أفعال العباد مقدرة لله ، من حيث بين ما يستحق عليها فاعلها من الثواب والعقاب أو لا يستحق شيئاً من ذلك . ويقوي ذلك قوله { فقدره تقديراً } لان المعنى فيه ، وكل شيء على مقدار حاجتهم اليه وصلاحه لهم . ثم اخبر تعالى عن الكفار ، فقال { واتخذوا من دون الله آلهة } من الاصنام والاوثان ، ووجهوا عبادتهم اليها من دون الله . ثم وصف آلهتهم بما ينبئ أنها لا تستحق العبادة ، بأن قال { لا يخلقون شيئاً } ولا يقدرون عليه ، وهم مع ذلك مخلوقون ، ومصرفون ، وانهم { لا يملكون } أي لا يقدرون { لأنفسهم } على ضرّ ولا على نفع { ولا يملكون } أي لا يقدرون على موت ، ولا على حياة ، ولا على بعث بعد الموت . والنشور هو البعث بعد الموت ، يقال : نشر الميت ، فهو ناشر نشوراً ، وانشره الله انشاراً ، ومنه قوله { ثم إذا شاء أنشره } وجميع ذلك يختص الله بالقدرة عليه ، والعبادة تستحق بذلك ، لانها أصول النعم ، ثم أخبر عن الكفار بأنهم يقولون : ليس هذا القرآن الذي أنزلناه { إلا إفك } يعني كذب افتعله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) { وأعانه عليه قوم آخرون } قال الحسن : قالوا أعانه عليه عبد حبشي يعني الحضرمي . وقال مجاهد : قالوا أعانه عليه اليهود . ثم حكى تعالى عنهم بأنهم قالوا ذلك و { جاؤا } في هذا القول { ظلماً وزوراً } أي جاؤا بظلم ، فلما حذف الباء نصبه أي انهم أضافوه الى غير من صدر عنه ، وكذبوا فيه . وحكى عنهم انهم قالوا أيضاً : هذا القرآن { أساطير الأولين } ورفع { أساطير } بأنه خبر ابتداء محذوف ، وتقديره هذا أساطير الأولين . قال ابن عباس : الذي قال ذلك النضر بن الحارث بن كلدة ، يعني اخبار قد سطرها الأولون من الأمم اكتتبها هو ، وانتسخها { فهي تملى عليه } حتى ينسخها { بكرة وأصيلاً } يعني غداة وعشياً . والاصيل العشي ، لأنه أصل الليل وأوله . ومعناه : إنه يقرأ عليه على هوى النفس ، فأمر الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم ، تكذيباً لقولهم { قل أنزله } يعني القرآن { الذي يعلم السر } يعني الخفايا { في السماوات والأرض } والمعنى انه أنزله على ما يعلم من المصلحة وبواطن الأمور وخفاياها ، لا على ما تقتضيه أهواء النفوس وشهواتها . وقال الجبائي : السر - ها هنا - الغيب . والسر اخفاء المعنى فى القلب اسر اليه إسراراً أي ألقى اليه ما يخفيه فى قلبه ، وساره مسارة وسراراً : إذا اخفى ما يلقيه اليه من السر عن غيره . وقوله { إنه كان غفوراً } معناه الذي يعلم السر في السموات والارض لا يعاجلهم بالعقوبة ، بل يستر عليهم ، وهكذا كان على من تقدم من الكفار والعصاة { رحيماً } أي منعماً عليهم .