Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 111-122)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ يعقوب { واتباعك } على الجمع . الباقون { واتبعك } على الفعل الماضي قال الزجاج : من قرأ على الجمع فقراءته جيدة ، لان الواو ( واو ) الحال ، واكثر ما يدخل على الاسماء . تقول جئتك وأصحابك بنو فلان ، وقد يقولون : وصحبك بنو فلان ، واكثر ما يستعملونه مع ( قد ) في الفعل ، حكى الله تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا لنوح حين دعاهم إلى الله وخوفهم من معصيته : انصدقك فيما تدعونا اليه وقد اتبعك الارذلون ؟ ! يعني السفلة واوضاع الناس . والرذل الوضيع ، ونقيض الرذيلة الفضيلة وجمعه الرذائل . وقيل : انهم نسبوهم إلى صناعات دنيئة ، كالحياكة والحجامة . وانهم مع ذلك اهل نفاق ورذالة ، فأنفوا من اتباعه لما اتبعوه هؤلاء ، ولم يجز من نوح أن يقبل قول هؤلاء فيهم ، لانهم كفار يعادونهم ، فلا تقبل شهادتهم . ويجوز أيضاً ان يكونوا لما آمنوا تابوا من قبيح ما عملوا ، لأن الايمان يجبّ الخطايا ، ويوجب الاقلاع عنها . ولم يجز استصلاح هؤلاء باقصاء من آمن ، كما لا يجوز استصلاحهم بفعل الظلم ، لان في ذلك اذلالا للمؤمنين ، وذلك ظلم لهم ، لا يجوز أن يفعل بأهل الايمان ، لأنه قبيح . ومن قرأ - على الجمع - أراد ان الذين اتبعوك هم الارذلون . ومن قرأ على الفعل أراد : تبعك من هذه صفته . فقال لهم نوح ( ع ) : لم أطردهم { وما علمي بما كانوا يعملون } فيما مضى ، لأني ما كلفت ذلك ، وانما أمرت بأن ادعوهم إلى الله ، وقد اجابوني اليه ، وليس حسابهم الا على ربي الذي خلقني وخلقهم لو علمتم ذلك وشعرتموه ، وليس أنا بطارد المؤمنين ، لاني لست الا نذيراً مخوفاً من معصية الله مبين لطاعته ، داع اليه . و ( الطرد ) ابعاد الشيء على وجه التنفير ، طرده يطرده ، واطرده جعله طريداً ، واطرد في الباب استمر في الذهاب كالطريد ، وطارده مطاردة وطراداً . فقال له قومه عند ذلك { لئن لم تنته } وترجع عما تقوله ، وتدعو اليه { يا نوح لتكونن من المرجومين } بالحجارة ، وقيل : من المرجومين بالشتم ، فالرجم الرمي بالحجارة ، ولا يقال للرمي بالقوس رجم ، ويسمى الشتوم مرجوماً لانه يرمى بما يذم به . والانتهاء بلوغ الحد من غير مجاوزة إلى ما وقع عنه النهي . وأصل النهاية بلوغ الحد ، والنهي الغدير ، لانتهاء الماء اليه . فقال نوح عند ذلك يا رب { إن قومي كذبون } وانما قال ذلك مع أن الله تعالى عالم بأنهم كذبوه ، لأنه كالعلة فيما جاء بعده ، فكأنه قال { افتح بيني وبينهم فتحاً } لانهم كذبوني ، إلا انه جاء بصيغة الخبر دون صيغة العلة . وإذا كان على معنى العلة حسن أن يأتي بما يعلمه المتكلم والمخاطب . ومعنى { افتح بيني وبينهم فتحاً } احكم بيننا بالفعل الذي فيه نجاتنا ، وهلاك عدوّنا وعامل كل واحد منا بما يستحقه ، يقال للحاكم : الفتاح ، لانه يفتح وجه الأمر بالحكم الفصل ، ويتقرر به الأمر على أداء الحق ، فقال الله تعالى له مجيباً لدعائه { فأنجيناه ومن معه } من المؤمنين { في الفلك } يعنى السفن ، يقال شحنه يشحنه شحناً فهو شاحن إذا ملأه بما يسد خلاءه ، وشحن الثغر بالرجال . ومنه الشحنة ، قال الشاعر ، في الفتح بمعنى الحكم : @ ألا ابلغ بني عصم رسولا فاني عن فتاحتكم غني @@ والفلك السفن يقع على الواحد والجمع . ثم اخبر تعالى انه لما أنجى نوحاً واصحابه اغرق الباقين من الكفار بعد ذلك ، واهلكهم . ثم قال تعالى : إن فيما اخبرنا به من قصة نوح وإهلاك قومه لآية واضحة على توحيد الله ، وإن كان اكثرهم لا يؤمنون ، ولا يعتبرون به . وقيل : إن قوله { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين } في عدة مواضع ليس بتكرير وانما هو ذكر آية في قصة نوح ، وما كان من شأنه مع قومه بعد ذكر آية فيما كان من قصة ابراهيم وقومه ، وذكر قصة موسى وفرعون فيما مضى ، فبين أنه إنما ذكر ذلك لما فيه من الآية الباهرة ، وكرر { وإن ربك لهو العزيز الرحيم } لان المعنى انه { العزيز } في الانتقام من فرعون وقومه { الرحيم } في نجاة موسى ومن معه من بني اسرائيل ، وذكر - ها هنا - { العزيز } في إهلاك قوم نوح بالغرق الذي طبق الأرض { الرحيم } في إنجائه نوحاً ومن معه في الفلك . والعزيز القادر الذي تتعذر مما نعته لعظم مقدوراته ، فصفة ( عزيز ) وإن رجعت إلى معنى قادر ، فمن هذا الوجه ترجع ، ولا يوصف بالعزيز مطلقاً الا الله ، لانها تفيد معنى قادر ، ولا يقدر أحد على ممانعته . والله تعالى قادر أن يمنع كل قادر سواه . ومعنى وصفه بانه عزيز مبالغة من ثلاثة أوجه : احدها - لانه بزنة ( فعيل ) . والثاني - انه لا يوصف به مطلقاً سواه . والثالث - لما فيه من التعريف بالالف واللام .