Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 86-93)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ حمزة والكسائي وخلف وحفص عن عاصم { وكل أتوه } مقصورة على وزن ( فلوه ) الباقون { آتوه } ممدودة ومضمومة التاء على وزن ( فالوه ) وقرأ اهل الكوفة { من فزع } منوناً { يومئذ } بفتح الميم . الباقون بغير تنوين على الاضافة إلا ورشاً فانه نصب الميم من { يومئذ } مع الاضافة . ووجه هذه القراءة انه جعل ( يوم ) مع ( إذ ) كالاسم الواحد ، لان إضافة ( يوم ) إلى ( إذ ) ليست محضة ، لان الحروف لا يضاف اليها ، ولا إلى الافعال ، وانما أجازوا في اسماء الزمان الاضافة إلى الحروف وإلى الافعال نحو : هذا يوم ينفع ، لما خص وكثر ، وقرأ اهل البصرة وابن كثير وابو بكر إلا يحيى والداجوني عن ابن ذكوان { يفعلون } بالياء ، الباقون بالتاء . وقرأ اهل المدينة وابن عامر ويعقوب { عما تعملون } بالتاء . الباقون بالياء . يقول الله تعالى منبها لخلقه على وجه الاعتبار والتنبيه على النظر بالفكر بجعله تعالى الليل ليسكن فيه خلقه ، من الحيوان من الحركات ، لأن من جعل الشيء لما يصلح له من الانتفاع ، فانما ذلك باختياره دون الطبع ، وما يجري مجراه مما ليس مختار ، ففي ذلك بطلان قول كل مخالف فيه . وقوله { والنهار مبصراً } يحتمل أمرين : احدهما - انه جعل النهار ذا إبصار ، كما قال { عيشة راضية } أي ذات رضا ، وكما قال النابغة : @ كليني لهم يا أمية ناصب @@ أي لهم ذي نصب . الثاني - لأنه يريك الاشياء كما يراها من يبصرها بالنور الذي تجلى عنها فقيل هو كقول جرير : @ لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم @@ اي بالذي ينام فيه . ثم قال { إن في ذلك لآيات } يعني دلالات واضحات لقوم يصدقون بالله وبتوحيده . وقوله { ويوم ينفخ في الصور } منصوب بتقدير : واذكر { يوم ينفخ في الصور } أي وذلك يوم ينفخ في الصور ، يعني قوله { وقع القول عليهم بما ظلموا … يوم ينفخ في الصور } ويجوز أن يكون على حذف الجواب ، وتقديره وتكون البشارة الثانية يوم ينفخ في الصور . وقيل : تقديره ويوم ينفخ في الصور يفزع ، لان المعنى إذا نفخ في الصور فزع إلا أنه لما جاء الثاني بالفاء اغنى عن ( يفعل ) لأنها ترتب . وقال الحسن وقتادة : الصور صور الخلق . وقال مجاهد : هو قرن كالبوق ينفخ فيه . وقيل : النفخة الأولى نفخة الفزع . والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين . وقيل : معنى { ففزع من في السماوات ومن في الأرض } من شدة الاسراع والاجابة ، يقال : فزعت اليك في كذا إذا أسرعت إلى ندائه في معونتك . وقيل : هو ضد الأمن ، وهو الأولى . وقيل : وجه النفخ في الصور أنه على تصور ضرب البوق للاجتماع على المسير إلى أرض الجزاء بالحال التي تعرف في دار الدنيا . ومن ذهب إلى أنه جمع صورة قال : المعنى نفخ الأرواح في الاجساد بردها إلى حال الحياة التي كانت عليها . وقوله { إلا من شاء الله } روي في الخبر أن الشهداء من جملة الخلق لا يفزعون ذلك اليوم . وقيل : { إلا من شاء الله } يعني من الملائكة الذين يثبت الله قلوبهم . وقيل : اسرافيل هو النافخ في الصور بأمر الله تعالى . ثم قال { وكل أتوه داخرين } معناه إن جميع الخلق جاؤا لله داخرين أي صاغرين . فمن قصر ، حمله على انهم اتوه أي جاؤه . ومن مدّ ، حمله على أنهم جايؤه على وزن ( فاعلوه ) . ولفظة ( كل ) ها هنا معرفة ، لأنها قطعت عن الأضافة ، كما قطع قوله { من قبل ومن بعد } إلا أنه لم يبن ، لأنه قطع عن متمكن التمكن التام . وليس كذلك { من قبل ومن بعد } لأنه كان ظرفاً لا يدخله الرفع . وقوله { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب } قال ابن عباس : تحسبها قائمة وهي تسير سيراً حثيثاً سريعاً قال النابغة الجعدي : @ ناز عن مثل الطود يحسب أنهم وقوف لحاح والركاب تهملج @@ أي من أجل كثرتهم وإلتفافهم يحسب انهم وقوف ، فكذلك الجبال . وقوله { صنع الله الذي أتقن كل شيء } نصب { صنع الله } بما دل عليه ما تقدم من الكلام من قوله { تمر مر السحاب } فكأنه قال : صنع الله صنع الذي أتقن كل شيء إلا انه اظهر اسم الله في الثاني ، لأنه لم يذكر في الأول وانما دل عليه . والاتقان حسن إيناق وقوله { إنه خبير بما تفعلون } أي عليم بأفعالهم فيجازيهم بحسبها على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب . ثم بين كيفية الجزاء ، فقال { من جاء بالحسنة } يعني بالخصلة الحسنة { فله خير منها } أي خير يصيبه منها . وقيل : فله أفضل منها في عظم النفع لأن له بقيمتها وبالوعد الذي وعده الله بها كأنه قال : من اتى بالحسنة التي هي الايمان والتوحيد والطاعة لله يوم القيامة يكون آمناً لا يفزع كما يفزع الكفار والفساق . وقيل : هم من فزع الموت في الدنيا آمنون في الآخرة . وقيل : من فزع يوم القيامة في الجنة آمنون . ثم قال { ومن جاء بالسيئة } يعني بالمعصية الكبيرة التي هي مثل الكفر والشرك ، وما جرى مجراهما . وقال جميع المفسرين : إن السيئة - ها هنا - الشرك ، فان الله تعالى يكبه على وجهه في النار . ويقال : كبه واكبه إذا نكسه ، ويقال لهم { هل تجزون } بهذا العقاب { إلا } مكافأة لما كنتم تفعلون وتعملون في دار التكليف من المعاصي . ثم قال لنبيه { قل } لهم { انما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة } يعني مكة - في قول ابن عباس - وقال غيره : منى ، أي أمرت بعبادة رب هذه البلدة لم أؤمر بعبادة سواه { التي حرمها } وقيل : معنى { حرمها } عظم حرمتها من أن يسفك دم حرام فيها أو يظلم أحد فيها أو يصطاد صيدها أو يخلى خلاؤها وقيل : حرمها حتى أمن الوحش فيها ، فلا يعدو الكلب على الغزال ، ولا على الطير ولو خرج من الحرم لنفر أشد النفور ، فذكر لهذه الآية في الحرم { وله كل شيء } أي يملك كل شيء بالتصرف فيه على وجه يريده ويختاره ، وليس لأحد منعه منه { وأمرت ان أكون من المسلمين } الذين يسلمون بتوحيده واخلاص العبادة له مستسلمين له { وأمرت أن أتلو القرآن } عليكم وادعوكم إلى ما فيه { فمن اهتدى } إلى الحق والعمل بما فيه { فإنما يهتدي لنفسه } لأن جزاء ذلك وثوابه يصل اليه دون غيره { ومن ضل } عنه وجار ولم يعمل بما فيه ولم يهتد إلى الحق { فقل } له يا محمد { إنما أنا من المنذرين } الذين يخوفون بعقاب الله من معاصيه ، ويدعون إلى طاعته . وفي ذلك دلالة على فساد قول المجبرة الذين يقولون : ان الله يخلق الايمان والهداية والكفر والضلالة . ثم امر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بان يقول { الحمد لله } اعترافا بنعمه { سيريكم آياته } يعني دلالاته التي ليس يمكنكم جحدها . وقال الحسن : معناه يريكم آياته في الآخرة فتعرفون انها على ما قال في الدنيا . وقيل : يركم في الدنيا ما ترون من الآيات في السماء والارض ، فتعرفونها أنها حق . ذكره مجاهد . ئم قال وليس ربك يا محمد { بغافل عما تعملون } من قرأ بالياء يعني عما يفعله المشركون . ومن قرأ بالتاء ، فعلى تقدير : قل لهم : ليس ربكم بغافل عما تعملونه بل هو عالم بجميع ذلك فيجازيكم عليه ، وفى ذلك غاية التهديد .