Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 81-88)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روي عن الكسائي الوقف على " وي " من قوله تعالى " وي كأن الله " ومن قوله " وي كأنه " وروي عن ابن عمر الوقف على الكاف منهما قال ابو طاهر : الاختيار اتباع المصحف ، وهما فيه كلمة واحدة ، وقرأ حفص ويعقوب { لخسف بنا } بفتح الخاء والسين . الباقون بضم الخاء وكسر السين على ما لم يسم فاعله . حكى الله تعالى أن خسف بقارون وبداره الأرض ، فمر يهوي فيها حتى زهقت نفسه على اسوء حالها ، والخسف ذهاب في الأرض في جهة السفل . ثم اخبر تعالى انه لم يكن لقارون { فئة } أي جماعة منقطعة اليه . والفئة مشتق من فأوت رأسه بالسيف إذا قطعته ، وتصغيرها فئية { ينصرونه من دون الله } أي يمنعونه من عذاب الله الذي نزل به ، وانما ذكر امتناع النصرة من الله مع أنه معلوم أنه كذلك ، لان المراد أنه لم يكن الأمر على ما قدره من امتناعه بحاشيته وجنده ، لان الذي غره قوته وتمكنه حتى تمرد في طغيانه . ثم اخبر انه كما لم يكن له من ينصره لم يكن هو ايضاً ممن ينتصر بنفسه لضعفه عن ذلك وقصوره عنه . ثم حكى أن { الذين تمنوا مكانه بالأمس } حين خرج عليهم على زينته لما رأوه خسف الله به ، أصبحوا يقولون { ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر } أي يوسع رزقه على من يشاء ويضيق على من يشاء ، اعترفوا بذلك . ومعنى ( وي ) التنبيه على أمر من الامور ، وهي حرف مفصول من ( كأن ) - في قول الخليل وسيبويه - واختاره الكسائي . وذلك انهم لما رأوا الخسف تنبهوا فتكلموا على قدر علمهم عند التنبيه لهم ، كما يقول القائل إذا تبين له الخطأ : وي كنت على خطأ ، وقال زيد بن عمرو بن نفيل : @ سألتاني ، الطلاق إذ رأتاني قل مالي قد جئتماني بنكر وي كأن من يكن له نشب يحـ ـبب ومن يفتقر يعيش عيش ضر @@ وقيل ( وي كأنه ) بمنزلة ( ألا كأنه ، وأما كانه ) وقيل هي : ويك إن الله ، كأنه قال ينبهك بهذا إلا انه حذف ، قال عنترة : @ ولقد شفى نفسي وأذهب سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم @@ وقال قوم : هي بمنزلة ( ويلك ) إلا انه حذف اللام تخفيفاً ، ونصب انه بتقدير اعلم انه لا يفلح ، وهذا ضعيف ، لان العلم لا يضمر ويعمل . وقال الفراء : سألت امرأة زوجها عن أبيه فقال ويك إنه وراء الحائط ، ومعناه ألا ترينه وراء الحائط . وقيل المعنى إن { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } لا لكرامة عليه ، كما بسط لقارون { ويقدر } أي يضيق لا لهوانة عليه ، كما ضيق على أنبيائه . ثم قالوا { لولا أن منّ الله علينا } وعفى عنا لخسف بنا ، كما خسف بقارون { ويك أنه لا يفلح الكافرون } أي لا يفوز بثوابه وينجو من عقابه من يجحد نعم الله ويعبد معه سواه . وقيل : إن قارون جعل لبغيّ جعلا على أن ترمي موسى بالفاحشة ، فلما حضرت في الملأ كذبت قارون واخبرت بالحق فخر موسى ساجداً يبكي ، فأوحى الله اليه ما يبكيك قد سلطتك على الأرض فمرها بما شئت ، فقال موسى يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى ركبهم . ثم قال يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى حقرويهم ثم قال يا ارض خذيهم ، فاخذتهم إلى اعناقهم وهم في كل ذلك ينادون يا موسى يا موسى ارحمنا - ذكره ابن عباس - وروي أن الله تعالى قال : لو قالوا مرة واحدة يا الله ارحمنا لرحمتهم . ثم قال تعالى { تلك الدار الآخرة } يعني الجنة { نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض } وانما قبح طلب العلو في الارض ، لأنه ركون اليها ، وترك لطلب العلو في الآخرة ، ومعاملة لها بخلاف ما أراده الله بها من أن تكون دار ارترحال لا دار ، مقام فيها { ولا فساد } أي ولا يريدون فساداً في الارض بفعل المعاصي { والعاقبة للمتقين } اخبار منه تعالى بأن العاقبة الجميلة من الثواب للذين يتقون معاصي الله ويفعلون طاعاته . وقيل : علوّاً في الارض معناه تكبراً عن الحق . ثم اخبر تعالى ان من جاء بطاعة من الطاعات وحسنة من الحسنات { فله خير منها } ثواباً عليها وجزاء عليها ، لان له بالواحدة عشراً { ومن جاء بالسيئة } يعني بالمعصية { فلا يجزى الذين عملوا السيئات } يعني الذين عملوا المعاصي إلا على قدر استحقاقهم على ما فعلوه من غير زيادة . كما قال { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } وقوله { إن الذي فرض عليك القرآن } خطاب للنبي صلى الله عليه وآله يقول الله له إن الذي أوجب عليك الامتثال بما يضمنه القرآن وأنزله عليك { لرادك إلى معاد } قال الحسن : معناه إلى المرجع يوم القيامة . وقال مجاهد : إلى الجنة . وقال ابن عباس : إلى الموت . وفي رواية أخرى عن ابن عباس : إلى مكة . والأظهر من الاقوال : لرادك إلى معاد في النشأة الثانية إلى الجنة . واكثر أقوال المفسرين انه أراد إلى مكة قاهراً لأهلها . ثم قال له { قل } يا محمد { ربي أعلم من جاء بالهدى } الذي يستحق به الثواب ممن لم يجيء به ، وضل عنه ، لا يخفى عليه المؤمن من الكافر ، ولا من هو على الهدى ، ولا من هو ضال عنه . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { وما كنت } يا محمد { ترجو أن يلقى اليك الكتاب إلا رحمة من ربك . فلا تكونن ظهيراً للكافرين } قال الفراء : تقديره إلا أن ربك رحمك . فانزله عليك ، فهو استثناء منقطع . ومعناه وما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولين وقصصهم تتلوها على أهل مكة ، ولم تشهدها ولم تحضرها بدلالة قوله { وما كنت ثاوياً في أهل مدين تتلو } أي انك تتلو على أهل مكة قصص مدين وموسى ولم تكن هناك ثاوياً مقيماً فتراه فتسمعه وكذلك قوله { وما كنت بجانب الغربي } فها أنت تتلو قصصهم وأمرهم ، فهذه رحمة من ربك . ومعنى { فلا تكونن ظهيراً } اي لا تكونن معيناً لهم { ولا يصدنك } يعني هؤلاء الكفار أي لا يمنعك " عن " اتباع { آيات الله } وحججه { بعد إذا أنزلت اليك } على ما بينها في القرآن { وادع إلى ربك } الذي خلقك وأنعم عليك { ولا تكونن من المشركين } الذين يتخذون مع الله معبودا سواه { ولا تدع مع الله إلهاً آخر } فتستدعي حوائجك من جهته { لا إله إلا هو } اخبار منه تعالى أنه لا معبود إلا الله وحده لا شريك له . ثم اخبر أن كل من سوى الله هالك ، فان { كل شيء هالك إلا وجهه } ومعناه إلا ذاته . وقيل : معناه كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه . قال الشاعر : @ استغفر الله ذنباً لست محصيه رب العباد اليه الوجه والعمل @@ ثم قال { له الحكم } لانه ليس لأحد أن يحكم بشيء إلا بأمره الله تعالى . ويجعل الحكم له عقلياً كان او شرعياً و { اليه } إلى الله { ترجعون } يوم القيامة أي إلى الموضع الذي لا يملك أحد التصرف فيه سواه ، لان الله تعالى قد ملك في الدنيا لكثير من البشر التصرف فيها .