Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 76-80)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا اخبار من الله تعالى { إن قارون كان من قوم موسى } قال ابن اسحاق : كان موسى ابن أخيه ، وقارون عمه . وقال ابن جريج : كان ابن عمه لأبيه وأمه { فبغى عليهم } قال قتادة : إنما بغى عليهم بكثرة ماله . والبغي طلب العلو بغير حق . ومنه قيل لولاة الجور : بغاة ، يقال : بغى يبغي بغياً ، فهو باغ وابتغى كذا ابتغاء إذا طلبه ، ويبتغي فعل الحسن أي يطلب فعله بدعائه إلى نفسه . و { قارون } اسم أعجمي لا ينصرف . وروي أنه كان عالماً بالتوراة فبغى على موسى وقصد إلى تكذيبه ، والافساد عليه . وقوله { وآتيناه من الكنوز } أي اعطيناه كنوز الأموال والكنز جمع المال بعضه على بعض ، وبالعرف عبارة عما يخبأ تحت الأرض ، ولا يطلق اسم الكنوز في الشرع الا على مال لا يخرج زكاته ، لقوله تعالى { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } فوجه الوعيد عليه منه تعالى على فعلهم يدلك على صحة ما قلناه . وقوله { ما إن مفاتحه } المفتاح عبارة عما يفتح به الاغلاق ، وجمعه مفاتيح ومفاتيح جمع مفتح ، ومعناهما واحد ، وقال قوم : كانت مفاتيحه من جلود وقال آخرون : مفاتحه خزائنه . قال الزجاج : وهو الأشبه . وقوله { لتنوء بالعصبة } أي ليثقل في حمله ، يقال : ناء بحمله ينوء نوءاً إذا نهض به مع ثقله عليه ، ومنه أخذت الانواء ، لأنها تنهض من المشرق على ثقل نهوضها . وقال ابو زيد : ناءني الحمل إذا اثقلني . والعصبة الجماعة الملتفة بعضها ببعض . وقال قتادة : العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين . وقال ابن عباس : قد يكون العصبة ثلاث . وانما قال لتنوء بالعصبة والمعني العصبة تنوء بها ، لان المعنى تميل بها مثقلة . وقيل : هو يجري مجرى التقديم والتأخير كما قال الشاعر : @ ونركب خيلا لا هوادة بينها وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر @@ وانما تشقى الضياطرة بالرماح ، وقال آخر : @ فديت بنفسه نفسي ومالي وما آلوه إلا ما يطيق @@ والمعنى بنفسي ومالي نفسه ، وقال الفراء : كان الاصل ان يقول لتنؤ العصبة أي يثقلهم ، بحذف الياء ومثله قوله ، وهو مقلوب : @ إن سراجاً لكريم مفخرة تحلى به العين إذا ما تجهره @@ فالوجه ان الرجل يعجب العين وكان ينبغي ان يقول يحلى بالعين ، كقوله : @ حليت بعينك ريطة مطويه @@ قال الرماني - التأويل الأول هو الصحيح ، لانه ليس من باب التقديم والتأخير لما في ذلك من قلب المعنى وليس كالذي تبنيه الاعراب . وقوله { إذ قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين } حكاية عما قال قوم قارون لقارون حين خوفوه بالله ونهوه عن الفرح بما آتاه الله من المال ، وأمروه بالشكر عليه . والفرح المرح الذي يخرج إلى الانس ، وهو البطر . ولذلك قال تعالى { إن الله لا يحب الفرحين } لانه إذا اطلقت صفة فرح فهو الخارج بالمرح إلى البطر ، فأما قوله { فرحين بما آتاهم الله من فضله } فحسن جميل بهذا التقييد ، وقال مجاهد : الفرحين هو فرح البطر . وقال الشاعر : @ ولست بمفراح إذا الدهر سرني ولا جازع من صرفه المتقلب @@ وقال آخر : @ ولا ينسيني الحدثان عرضي ولا أرخي من الفرح الازارا @@ وقوله { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة } حكاية عما قال لقارون قومه المؤمنون بموسى وبتوحيد الله . وقال قوم : إن المخاطب له كان موسى وإن ذكر بلفظ الجمع ومعناه اطلب فيما أعطاك الله من الأموال { الدار الآخرة } بأن ينفقها في وجوه البر وسبيل الخير { ولا تنس نصيبك من الدنيا } قال ابن عباس : منعاه أن يعمل فيها بطاعة الله ، وقال الحسن معناه : أن يطلب الحلال { وأحسن } اي افعل الجميل إلى الخلق . وتفضل عليهم ، كما تفضل الله عليك { ولا تبغ الفساد في الأرض } أي لا تطلب الفساد بمنع ما يجب عليك من الحقوق ، وانفاق الأموال في المعاصي { إن الله لا يحب المفسدين } أي لا يريد منافع من يفسد في الأرض ، ولا يريد أن يفعل بهم ثواب الجنة . وقوله { قال إنما أوتيته على علم عندي } حكاية عما قال قارون في جواب قومه ، فانه قال لهم : أوتيت هذه الأموال على علم بأني مستحق لذلك ، لعلمي بالتوراة ، وقال قوم : لاني أعمل الكيمياء ، وقال قوم لعلمي بوجوه المكاسب ، وبما لا يتهيأ لأحد أن يسلبني إياه ، فقال الله تعالى موبخاً على هذا القول { أولم يعلم } قارون { أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً } كقوم عاد ، وثمود ، وقوم لوط وغيرهم ، فما اغنى عنهم جمعهم ولا قوتهم حين أراد الله إهلاكهم ، فكيف ينفع قارون ماله وجمعه . وقوله { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } قال الفراء تقديره : لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم ، فالهاء والميم للمجرمين ، كما قال تعالى { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } وقال الحسن لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون لنعلم ذلك من قبلهم ، وإن سئلوا سؤال تقريع وتوبيخ . ثم حكى تعالى أن قارون { خرج على قومه في زينته } التي كان يتزين بها . وقيل : إنه كان خرج مع قومه عليهم في الديباج الأحمر على الخيل ، فلما رآه الذين يريدون الحياة الدنيا من الكفار والمنافقين والضعيفي الايمان بما للمؤمنين عند الله من ثواب الجنة قالوا { يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون } تمنوا مثل منزلته ، ومثل ماله وإنهم قالوا ان قارون { لذو حظ } من الدنيا ونعيمها { عظيم } . ثم حكى ما قال المؤمنون بثواب الله المصدقون بوعده في جوابهم { ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً } مما أوتي قارون ، وحذف لدلالة الكلام عليه . وقوله { ولا يلقاها إلا الصابرون } أي ما يلقى مثل هذه الكلمة إلا الصابرون على أمر الله . وقيل : وما يلقى نعمة الله من الثواب إلا الصابرون . فان قيل : أليس عندكم أن الله لا يؤتي الحرام أحداً ؟ وقد قال - ها هنا - { وابتغ فيما آتاك الله } فأخبر انه آتاه . قيل : لا يعلم أن ذلك المال كان حراماً ، ويجوز أن يكون حلالا ورثه أو كسبه بالمكاسب والمتاجر ، ثم لم يخرج حق الله منه وطغى فسخط الله عليه وعاقبه لطغيانه وعصيانه لا على كسب المال .