Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 46-50)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابو عمرو ، وابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم وقتيبة عن الكسائي { لولا أنزل عليه آيات من ربه } على الجمع لقوله { قل إنما الآيات } . وقرأ الباقون { آية } على التوحيد . ومعناهما واحد ، لأنه لفظ جنس يدل على القليل والكثير . قال قتادة : الآية الأولى منسوخة بالجهاد والقتال . وقال غيره : هي ثابتة ، وهو الأولى ، لانه لا دليل على ما قاله ، فكيف وقد أمر بالجدال بالذي هو أحسن ، وهو الواجب الذي لا يجوز غيره كما قال { وجادلهم بالتي هي أحسن } فالآية خطاب من الله تعالى لنبيه وجميع المؤمنين ينهاهم أن يجادلوا أهل الكتاب : من اليهود والنصارى { إلا بالتي هي أحسن } وقيل : معناه إلا بالجميل من القول في التنبيه على آيات الله وحججه والأحسن الأعلى في الحسن من جهة تقبل العقل له ، . وقد يكون الأعلى في الحسن من جهة تقبل الطبع له ، وقد يكون في الامرين ، و ( الجدال ) فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج فيه . وفي ذلك دلالة على حسن المجادلة ، لأنها لو كانت قبيحة على كال حال ، لما قال { إلا بالتي هي أحسن } . وأصل الجدال شدة الفتل ، يقال : جدلته أجدله جدلا إذا فتله فتلا شديداً ، ومنه الأجدل : للصقر لشدة فتل بدنه . وقيل : انه يجوز أن يغلظ المحق في الجدل على الظالم فيه ، بتأديب الله تعالى في الآية في قوله { إلا الذين ظلموا منهم } فاستثنى الظالم عن المجادلة بالتي هي أحسن . فان قيل : لم استثنى الذين ظلموا ؟ وكلهم ظالم لنفسه بكفره ! قيل : لان المراد { إلا الذين ظلموا } في جدالهم أو في غيره مما يقتضي الاغلاظ لهم ، ولهذا يسع الانسان ان يغلظ على غيره ، والا فالداعي إلى الحق يجب أن يستعمل الرفق في أمره . قال مجاهد : { إلا الذين ظلموا منهم } بمنع الجزية . وقال ابن زيد : الذين ظلموا بالاقامة على كفرهم بعد إقامة الحجة عليهم . ثم قال تعالى للمؤمنين { وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا } من القرآن { وأنزل إليكم } من التوراة والانجيل ، وقولوا { وإلهنا وإلهكم واحد } لا شريك له { ونحن له مسلمون } طائعون . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله ومثل ما أنزلنا الكتاب على موسى وعيسى من التوراة والانجيل { انزلنا اليك الكتاب } القرآن { فالذين آتيناهم الكتاب } يعني الذين آتيناهم علم الكتاب يصدقون بالقرآن لدلالته عليه { ومن هؤلاء من يؤمن به } أي من غير جهة علم الكتاب . وقيل { فالذين آتيناهم الكتاب } يعني به عبد الله بن سلام وأمثاله . و { من هؤلاء } يعني أهل مكة { من يؤمن به } . ويحتمل ان يكون أراد بـ { الذين آتيناهم الكتاب } الذين آتاهم القرآن : المؤمنين منهم و { ومن هؤلاء } يعني من اليهود والنصارى { من يؤمن به } أيضاً ، والهاء في قوله { به } يجوز أن تكون راجعة إلى النبي ، ويجوز أن تكون راجعة إلى القرآن { وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون } لان كل من جحد بآيات الله من المكلفين ، فهو كافر : معانداً كان أو غير معاند . ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال { وما كنت تتلو من قبله من كتاب } يعني لم تكن تحسن القراءة قبل أن يوحى اليك بالقرآن { ولا تخطه بيمينك } معناه وما كنت أيضاً تخط بيمينك . وفيه اختصار ، وتقديره ولو كنت تتلو الكتاب وتخطه بيمينك { إذاً لارتاب المبطلون } وقال المفسرون : إنه لم يكن النبي صلى الله عليه وآله يحسن الكتابة . والآية لا تدل على ذلك بل فيها إنه لم يكن يكتب الكتاب وقد لا يكتب الكتاب من يحسنه ، كما لا يكتب من لا يحسنه ، وليس ذلك بنهي ، لأنه لو كان نهياً لكان الأجود أن يكون مفتوحاً ، وإن جاز الضم على وجه الاتباع لضمة الخاء ، كما يقال : ( ردّه ) بالضم والفتح والكسر ، ولكان أيضاً غير مطابق للاول . ولو أفاد أنه لم يكن يحسن الكتابة قبل الايحاء ، لكان دليله يدل على انه كان يحسنها بعد الايحاء اليه ، ليكون فرقاً بين الحالتين . ثم بين تعالى أنه لم يكتب ، لأنه لو كتب لشك المبطلون في القرآن وقالوا هو قرأ الكتب أو هو يصنفه ، ويضم شيئاً إلى شيء في حال بعد حال فاذا لم يحسن الكتابة لم تسبق اليه الظنة . ثم قال { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } وقيل : معناه بل هي آيات واضحات في صدور العلماء . بأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب ، على صفته في التوراة والانجيل - في قول ابن عباس - وقال الحسن : بل القرآن آيات بينات في صدور العلماء . ثم قال { وما يجحد بآياتنا } أي لا ينكر حججنا ويجحدها إلا الذين ظلموا نفوسهم بترك النظر فيها ، أو العناد لها بعد طول المدة وحصول العلم بها . ثم حكى عن الكفار انهم قالوا : هلا انزل على محمد آية من ربه ؟ يريدون آية يقترحونها ، وآية كآية موسى : من فلق البحر وقلب العصا حية ، فقال الله تعالى لهم { قل } لهم يا محمد { إنما الآيات عند الله } ينزلها ويظهرها بحسب ما يعلم من مصالح خلقه { وإنما أنا نذير } أي منذر مخوف من معصية الله { مبين } طريق الحق من طريق الباطل .