Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 41-45)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابو عمرو ويعقوب وعاصم - في رواية حفص - والعليمي ، والعبسي { إن الله يعلم ما يدعون من دونه } بالياء على الخبر عن الغائب . الباقون بالتاء على الخطاب . قال ابو علي : { ما } استفهام وموضعها النصب بـ { يدعون } ولا يجوز أن يكون نصباً بـ { يعلم } ولكن صارت الجملة التي هي منها في موضع نصب ، وتقديره إن الله يعلم أوثاناً يدعون من دونه ، لا يخفى عليه ذلك . ومثله { فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } والمعنى سيعلمون آلمسلم يكون له عقابة الدار أم الكافر ؟ . وكل ما كان من هذا فهكذا القول فيه ، وهو قياس قول الخليل . شبه الله سبحانه حال من اتخذ من دونه أولياء ينصرونه عند الحاجة في الوهن والضعف بحال العنكبوت الذي يتخذ بيتاً ليأوى اليه ، فكما أن بيت العنكبوت في غاية الوهن والضعف ، فكذلك حال من اتخذ من دون الله أولياء مثله في الضعف والوهن . والمثل قول سائر يشبه به حال الثاني بالاول . و ( الاتخاذ ) أخذ الشيء على اعداده لنائبة ، وهو ( افتعال ) من ( الاخذ ) فلما اخذوا عبادة غير الله إعداداً لنائبة كانوا اتخذوا الأولياء من دون الله ، وذلك فاسد لأن عبادة الله هي العاصمة من المكاره دون عبادة الأوثان . والمولي هو المتولي للنصرة ، وهو أبلغ من الناصر ، لان الناصر قد يكون ناصراً بأن يأمر غيره بالنصرة ، والولي هو الذي يتولى فعلها بنفسه . والعنكبوت هو دابة لطيفة تنسج بيتاً تأويه ، في غاية الوهن والضعف ، ويجمع عناكب ، ويصغر عنيكب ووزنه ( فعللوت ) وهو يذكر ويؤنث ، قال الشاعر : @ على هطأ لهم منهم بيوت كأن العنكبوت هو ابتناها @@ ويقال : هو العنكباء . ثم اخبر تعالى { إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت } الذي شبه الله حال من اتخذ من دونه أولياء به ، فاذا حاله أضعف الاحوال . وقوله { لو كانوا يعلمون } صحة ما أخبرناهم به ويتحققونه ، لكنهم كفار بذلك ، فلا يعلمونه فـ ( لو ) متعلقة بقوله { اتخذوا } أي لو علموا أن اتخاذهم الأولياء كاتخاذ العنكبوت بيتاً سخيفاً لم يتخذوهم أولياء ، ولا يجوز أن تكون متعلقة بقوله { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت } لأنهم كانوا عالمين بأن بيت العنكبوت واه ضعيف . ثم قال تعالى { إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء } سواء كان صنماً او وثناً أو ما كان مثل ذلك { وهو العزيز } في انتقامه الذي لا يغالب في ما يريده { الحكيم } في جميع أحواله وأفعاله ، واضع لها في مواضعها . ثم قال { وتلك الأمثال } وهي الاشباه والنظائر ، قال الشاعر : @ هل يذكر العهد في تنمص إذ يضرب لي قاعدة بها مثلا @@ { يضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } أي ما يدركها إلا من كان عالماً بمواقعها . ثم اخبر تعالى انه { خلق السماوات والأرض } وأخرجهما من العدم إلى الوجود { بالحق } أي على وجه الحكمة دون العبث الذي لا فائدة فيه وانه قصد بها الدلالة على توحيده { إن في ذلك } يعني في خلق الله ذلك على ما ذكره { لآية للمؤمنين } المصدقين بتوحيد الله ، لأنهم المنتفعون بها دون الكفار الذين لم ينتفعوا بها لتفريطهم ، فلذلك اسندها إلى المؤمنين . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { اتل ما أوحي إليك من الكتاب } يا محمد يعني القرآن - على المكلفين ، واعمل بما تضمنه { وأقم الصلاة } بحدودها { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } يعني فعلها فيه لطف للمكلف في فعل الواجب والامتناع عن القبيح ، فهي بمنزلة الناهي بالقول إذا قال : لا تفعل الفحشاء ولا المنكر ، وذلك لأن فيها : التكبير ، والتسبيح ، والقراءة ، وصنوف العبادة ، وكل ذلك يدعو إلى شكله ويصرف عن ضده ، كالأمر والنهي بالقول ، وكل دليل مؤد إلى المعرفة بالحق ، فهو داع اليه وصارف عن ضده من الباطل . وقال ابن مسعود : الصلاة تنهى عن المنكر وتأمر بالمعروف . وبه قال ابن عباس . وقال ابن مسعود : الصلاة لا تنفع إلا من أطاع . وقوله { ولذكر الله أكبر } معناه ولذكر الله إياكم برحمته اكبر من ذكركم إياه بطاعته - ذكره ابن عباس ، وسلمان ، وابن مسعود ، ومجاهد - وقيل : معناه ذكر العبد لربه أفضل من جميع عمله - في رواية أخرى - عن سلمان ، وهو قول قتادة وابن زيد وابي الدرداء . وقال ابو مالك : معناه إن ذكر العبد لله تعالى في الصلاة أكبر من الصلاة . وقيل : ذكر الله بتعظيمه اكبر من سائر طاعاته . وقيل : ولذكر الله اكبر من النهي عن الفحشاء . وقوله { والله يعلم ما تصنعون } من خير وشر ، فيجازيكم بحسبه . وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال : ان المعرفة ضرورة ، ودلالة على بطلان قول المجبرة في أن الله خلق الكافر للضلال .