Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 112-112)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى ، واللغة ، والاعراب : قال الحسن : المعني بقوله : { ضربت عليهم الذلة } اليهود أذلهم الله عز وجل ، فلا عز لهم ولا منعة ، وأدركتهم هذه الأمة . وإن المجوس لتجبيهم الجزية { وضربت } مأخوذ من الضرب ، وإنما قيل ضربت ، لأنها ثبتت عليهم كما ثبتت بالضرب كما أخذت منه الضريبة ، لأنها تثبت على صاحبها كما تثبت الضرب . وقوله : { أينما ثقفوا } أي أينما وجدوا ، يقال : ثقفته أي وجدته ، ولقيته . فان قيل : كيف جاز عقابهم على ما لم يفعلوه من قتل الانبياء . وإنما فعله أسلافهم دونهم . قلنا : عنه جوابان : أحدهما - أنهم عوقبوا على رضاهم بذلك . وأجرى عليهم صفة القتل لعظم الجرم في رضاهم به ، فكأنهم ، فعلوه على نحو { يذبح أبناءهم } وإنما أمر به . والثاني - أن تكون الصفة تعم الجميع ، فيدخلوا في الجملة ويجري عليهم الوصف على التغليب كما يغلب المذكر على المؤنث إذا اجتمعا ، فكذلك غلب القاتل على الراضي . وقوله : { إلا بحبل من الله } فالحبل هو العهد من الله ، وعهد من من الناس على وجه الذمة ، وغيرها من وجوه الأمان في قول ابن عباس ، والحسن ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، والربيع . وسمي العهد حبلا ، لأنه يعقد به الأمان كما يعقد بالحبل من حيث يلزم به الشيء كما يلزم بالحبل . وقال الاعشى : @ فاذا تجوزها حبال قبيلة أخذت من الأخرى اليك حبالها @@ والعامل في الباء من قوله { إلا بحبل من الله } يحتمل أن يكون العامل محذوفا والمعنى إلا أن تعتصموا بحبل من الله على قول الفراء وأنشد : @ رأتني بحبليها فصدت مخافة وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق @@ أراد رأتني أقبلت بحبليها فحذف العامل في الباء وقال آخر : @ قريب الخطو يحسب من رآني ولست مقيداً أني بقيد @@ قال الرماني ، على بن عيسى ما ذكره الفراء ضعيف من وجهين : أحدهما - حذف الموصول وذلك لا يجوز عند البصريين في شيء من الكلام لأنه إذا احتاج إلى صلة تبين عنه فالحاجة إلى البيان عنه بذكره أشد . وإنما يجوز حذف الشيء للاستغناء بدلالة غيره عليه ، فلو دل دليل عليه لحذف مع صلته ، لأنه معها بمنزلة شيء واحد . والوجه الآخر أن الكلام إذا صح معناه من غير حذف لم يجز تأويله على الحذف . وقوله { إلا بحبل } قيل في هذا الاستثناء قولان : أحدهما - أنه منقطع ، لأن الدلالة لازمة لهم على كل حال ، فيجري مجرى قوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ } فعامل الاعراب موجود والمعنى على الانقطاع . ومثله { لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلا سلاماً } وكل انقطاع فيه فانما هو لازالة الايهام الذي فيه يلحق الكلام فقوله : { لا يسمعون فيها لغواً } قد يتوهم أنه من حيث لا يسمعون فيها كلاماً ، فقيل لذلك { إلا قيلا سلاماً } وكذلك { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً } قد يتوهم أنه لا يقتل مؤمن مؤمناً على وجه ، فقيل لذلك { إلا خطأ } . وكذلك { ضربت عليهم الذلة } قد يتوهم أنه من غير جواز موادعة ، فقيل إلا بحبل من الله . الثاني - أن الاستثناء متصل ، لأن عز المسلمين عز لهم بالذمة ، وهذا لا يخرجه من الذلة في أنفسهم . وقوله : { وباؤا بغضب من الله } أي رجعوا بغضب الله الذي هو عقابه ولعنه . وقوله : { وضربت عليهم المسكنة } قيل اريد بالمسكنة الذلة لأن المسكين لا يكون إلا ذليلا فسمي الذليل مسكيناً . وقيل ، لأن اليهود أبداً يتفاقرون وان كانوا أغنياء لما رماهم الله به من الذلة . وقد بينا فيما تقدم أن قوله : { ويقتلون الأنبياء بغير حق } لا يدل على أن قتلهم يكون بحق وإنما المراد أن قتلهم لا يكون إلا بغير حق ، كما قال { ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به } والمراد ان ذلك لا يكون إلا بغير برهان وكقول امرىء القيس : @ على لاحب لا يهتدى بمناره @@ ومعناه لا منار هناك فيهتدى به وقوله : { يعتدون } قد بينا فيما تقدم معنى الاعتداء وهو أن معناه تجاوز الحد مأخوذ من العدوان .