Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 131-132)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى : فان قيل كيف قال { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } وعندكم يجوز أن يدخلها الفساق أيضاً . وعند المعتزلة كلهم يدخلها الفساق قطعاً . وهلا قال : أعدت للجميع ؟ قلنا أما على ما نذهب إليه ، ففائدة ذلك اعلامنا أنها أعدت للكافرين قطعاً . وذلك غير حاصل في الفساق ، لأنا نجوز العفو عنهم . ومن قال أعدت للفساق قال اضيفت إلى الكافرين ، لأنهم أحق بها . وإن كان الجميع يستحقونها ، لأن الكفر أعظم المعاصي فاعدت النار للكافرين . ويكون غيرهم من الفساق تبعاً لهم في دخولها . فان قيل : فعلى هذا هل يجوز أن يقال : ان النار أعدت لغير الكافرين من الفاسقين ؟ قلنا عن ذلك أجوبة : أحدها - قال الحسن يجوز ذلك ، لأنه من الخاص الذي معه دلالة على العام ، كما قال : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم } وليس كل من دخل النار كفر بعد إيمانه . ومثله قوله : { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } وليس كل الكفار يقول ذلك . ومنه قوله : { فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون . قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين } وليس كل الكفار سووا الشياطين برب العالمين . والثاني - أنه لا يقال أعدت لغيرهم من الفاسقين ، لأن اعدادها للكافرين من حيث كان عقابهم هو المعتمد وعقاب الآخرين له تبع ، كما قال : { وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } ولا خلاف أنه يدخلها الاطفال والمجانين إلا أنهم تبع للمتقين ، لأنه لولاهم لم يدخلوها . ولا يقال : إن الجنة أعدت لغير المتقين . الثالث - أن تكون هذه النار ناراً مخصوصة فيها الكفار خاصة دون الفساق وان كان هناك نار أخرى يدخلها الفساق ، كما قال : { لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى } وكما قال : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } وهذا قول أبي علي . واستدل البلخي بهذه الآية على أن الربا كبيرة ، لأن تقديره { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } ان يأكلوا الربا ، فيستحقونها . والاجماع حاصل على أن الربا كبيرة ، فلا يحتاج إلى هذا التأويل ، لأن الآية يكمن أن يقول قائل : إنها بمعنى الزجر والتحذير عن الكفر ، فقط وقوله : " أعدت " فالاعداد هو تقديم عمل الشيء لغيره مما هو متأخر عنه وقد قدم فعل النار ليصلاها الكفار . والاعداد والايجاد والتهيئة والتقدمة متقاربة المعنى وقوله : { وأطيعوا الله والرسول } : أمر بالطاعة لله ورسوله . والوجه في الأمر بالطاعة لله ورسوله مع أن العقل دال عليه يحتمل أمرين : أحدهما - أن يكون ذلك تأكيداً لما في العقل ، كما وردت نظائره ، كقوله : { ليس كمثله شيء } { ولا تدركه الأبصار } وغير ذلك . والثاني - لاتصاله بأمر الربا الذي لا تجب الطاعة فيه إلا بالسمع ، لأنه ليس مما يجب تحريمه عقلا كما يجب تحريم الظلم بالعقل ، فان قيل : إذا كانت طاعة الرسول طاعة الله فما وجه التكرار ؟ قلنا عنه جوابان : أحدهما - المقصود بها طاعة الرسول فيما دعا إليه مع القصد لطاعة الله تعالى . الثاني - ليعلم أن من أطاعه فيما دعا إليه كمن أطاع الله ، فيسارع إلى ذلك بأمر الله . والطاعة موافقة الارادة الداعية إلى الفعل بطريق الرغبة ، والرهبة . ولذلك صح أن يجيب الله تعالى عبده ، وان لم يصح منه أن يطيعه ، لأن الاجابة إنما هي موافقة الارادة مع القصد إلى موافقتها على حد ما وقعت من المريد . وقوله : { لعلكم ترحمون } يحتمل أمرين : أحدهما - لترحموا . وقد بينا لذلك نظائر . والثاني - ان معناه ينبغي للعباد أن يعملوا بطاعة الله على الرجاء للرحمة بدخول الجنة ، لئلا يزلوا فيستحقوا الاحباط والعقوبة أو يوقعوها على وجه لا يستحق به الثواب ، بل يستحق به العقاب . وفيها معنى الشك ، لكنه للعباد دون الله تعالى . النظم : وقيل في وجه اتصال هذه الآية بما قبلها قولان : أحدهما - لاتصال الأمر بالطاعة بالنهي عن أكل { الربا أضعافاً مضاعفة } كأنه قال وأطيعوا الله فيما نهاكم عنه من أكل الربا ، وغيره لتكونوا على سبيل الهدى . الثاني - قال ابن اسحاق : انه معاتبة للذين عصوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، بما أمرهم به يوم أحد : من لزوم مراكزهم ، فخالفوا واشتغلوا بالغنيمة إلا طائفة منهم قُتلوا . وكان ذلك سبب هزيمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله .