Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 185-185)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لا يجوز أن يجعل ( ما ) في ( إنما ) بمعنى الذي وترفع أجوركم ، لأن يوم القيامة يصير من صلة توفون وتوفون من صلة الذين فلا يأتي ما في الصلة بعد أجوركم . وأجوركم خبر ، ومعنى الآية إن مصير هؤلاء المفترين على الله من اليهود المكذبين برسوله الذين وصفهم ، ومصير غيرهم من جميع الخلق إليه تعالى من حيث حتم الموت على جميعهم ، فقال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) لا يحزنك قولهم وتكذيبهم وافتراء من افترى منهم على الله وعليك ، وتكذيب من تقدمك من الرسل . فان مرجعهم إلي وأوفي كل نفس منهم جزاء عمله ، فقال : توفون أجوركم يعني أجور أعمالكم إن خيراً فخيراً وثواباً . وإن شراً فشراً وعقاباً ، وهو نصب على أنه مفعول به . وقوله : { فمن زحزح عن النار } معناه نحي عن النار ، وأبعد منها { وأدخل الجنة فقد فاز } أي نجا وظفر بعظيم الكرامة . وكل من لقي ما يغتبط به فقد فاز ، ومعنى " فاز " تباعد من المكروه ، ولقي ما يحب . والمفازة : مهلكة . وإنما سموها مفازة أي منجاة كما سموا اللديغ سليما ، والاعمى بصيراً . وظاهر الآية يدل على أن كل نفس تذوق الموت ، وإن كانت مقتولة - على قول الرماني - ونحن وإن قلنا : إن الموت غير القتل ، فلا بد أن نقول : إن المقتول يختار الله أن يفعل فيه الموت إذا كان في فعله مصلحة . وقوله : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } معناه وما لذات الدنيا ، وشهواتها ، وما فيها من زينتها إلا متعة متعكموها الغرور ، والخداع : المضمحل الذي لا حقيقة له عند الاختبار والامتحان ، لأنكم تلتذون بما يمتعكم الغرور من دنياكم ، ثم هو عائد عليكم بالفجائع والمصائب ، فلا تركنوا إليه ، ولا تسكنوا ، فانما هي غرور وإنما أنتم منها في غرور . وقال عكرمة : متاع الغرور ، القوارير ، وهي في الأصل كل متاع لا بقاء له ، وإنما وصفت الحياة الدنيا بأنها متاع الغرور مع كشفها عن حالها ، لأنها بمنزلة من يغتر بالمحبوب ويبذل ما فيه الفرح والسرور ، ليوقع في بلية تؤدي إلى هلكة ، مبالغة في التحذير منها - على منا بيناه - وفي الآية دلالة على أن أقل نعيم من الآخرة خير من نعيم الدنيا بأسره ولذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) : " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا ، وما فيها " واستدل بهذه الآية على أن القتل هو الموت على الحقيقة . ومنهم من قال في المقتول : موت ، وقتل وللمخالف أن يقول : يمكن أن تكون الآية مخصوصة بمن يموت ، ولا يقتل كما قال : { كل نفس بما كسبت رهينة } وهي مختصة بالعقلاء البالغين ، ويمكن أن يكون المراد كل نفس تعدم الحياة ، فيكون ذلك على وجه الاستعارة . ذكره البلخي . وقوله : { ذائقة الموت } مجاز ، لأن الموت لا يذاق في الحقيقة ، لأن ذلك مشهور في كلامهم يقولون : ذاق الموت ، وشرب بكأس المنون ، لأنه بمنزلة ما يذاق بذوق شدائده . والفرق بين الذوق وإدراك الطعم أن الذوق تقريب جسم المذوق إلى حاسة الذوق ، والادراك للطعم هو وجدانه وإن لم يكن هناك احساس ، ولذلك يوصف تعالى بأنه مدرك للطعم ولا يوصف بأنه ذائق له . ويقولون : ذقته فلم أجد له طعماً أي لابس فمي فلم أحس له طعماً .