Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 188-188)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءة والحجة والاعراب : قرأ أهل الكوفة ويعقوب " لا تحسبن " بالتاء وفتح الباء ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء ، وضم الباء . الباقون بالياء وفتح الباء . " وتحسبنهم " الاخير بالتاء بلا خلاف . قال أبو علي من قرأ بالياء ، لم يوقع يحسبن على شيء ، ( والذين ) رفع بأنه فاعل ( لا تحسبن ) قال : ووجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعديا ( حسبت ) إلى مفعوليه ان ( يحسب ) في قوله : { فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } لما جعل بدلا من الأول وعدّي إلى مفعوليه استغنى بها في تعدية الأول إليهما كما استغنى في قول الشاعر : @ بأي كتاب أم بأية سنة ترى حبهم عاراً علي وتحسب @@ فاكتفى بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليها . فان قال قائل : كيف يستقيم تقدير البدل ، وقد دخل الفاء بينهما ، ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء ؟ والجواب أن الفاء زائدة ، يدلك على ذلك أنها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر ، لأن ما قبل الفاء ليس بمبتدأ ، فتكون الفاء خبره ، ولا تكون العاطفة ، لأن المعنى { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } ويحبون أنفسهم { بمفازة من العذاب } فاذا كان ذلك لم يجز تقدير العطف ، لأن الكلام لم يستقل بعد فيستقيم فيه تقدير العطف . وأما قوله : { فلا تحسبنهم } فان فعل الفاعل الذي هو يحسبون تعدى إلى ضميره ، وحذفت واو الضمير لدخول النون الثقيلة . وقوله : { بمفازة من العذاب } في موضع المفعول الثاني ، وفيه ذكر المفعول الأول . وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدى إلى ضمير نفسه نحو ظننتني أخاه ، لأن هذه الأفعال لما كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت ( إن ) واخواتها في دخولهن على الابتداء والخبر كدخول هذه الافعال عليهما ، وذلك نحو قولك : ظننتني ذاهباً ، كما تقول : إني ذاهب ، ولو قلت أظن نفسي تفعل ، لم يجز كما يجوز أظننتني فاعلا . وقال أبو سعيد الخدري ، وأبو وهب ، والزجاج : المعني بهذه الآية قوم من أهل الكتاب دخلوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وخرجوا من عنده ، فذكروا لمن كان رآهم في ذلك الوقت أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد أتاهم باشياء قد عرفوها ، فحمدهم من شاهدهم من المسلمين على ذلك ، وأظهروا خلاف ما أبطنوا ، وأقاموا فيما بعد على الكفر ، فأعلم الله تعالى نبيه أنهم ليسوا بمفازة أي ليسوا ببعد من العذاب . وقيل معناه ليسوا بمنجاة من العذاب ، ووقعت ، { فلا تحسبنهم } مكررة لطول القصة كما يقولون : لا تظنن زيداً إذا جاءك كلمك بكذا وكذا ، فلا تظننه صادقاً ، فيعيد فلا تظننه توكيداً ، واعلاماً ان ذلك يتعلق بالأول ، ولو لم يكرر كان جائزاً ، لكن مع التأكيد أوضح . وقوله : { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } قال البلخي : إنهم قالوا : { نحن أبناء الله وأحباؤه } وأهل الصوم والصلاة وليسوا بأولياء الله ، ولا أحباؤه ، ولا أهل الصلاة والصيام ، ولكنهم أهل شرك ونفاق . وهو المروي عن أبي جعفر ( ع ) . وقال قوم : " يحبون أن يحمدوا " على أنهم أبطلوا أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكذبوا ما أبطلوه ، ولا لهم قدرة على ذلك . النزول ، والمعنى : وروي عن ابن عباس ، وسعيد أن الآية نزلت في اليهود حيث كانوا يفرحون باجلال الناس لهم ونسبهم إياهم إلى العلم . وقال الضحاك ، والسدي : نزلت في اليهود حيث فرحوا بما أثبتوا من تكذيب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . وقال سعيد بن جبير : فرحوا بما أتى الله آل ابراهيم . وقال ابن عباس : إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سألهم عن شيء ، فكتموه ففرحوا بكتمانهم ، وأقوى هذه الأقوال أن يكون قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون " يعني بها من أخبر الله عنهم أنه أخذ ميثاقهم ليبينن للناس أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولا يكتمونه ، لأن قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون " في سياق الخبر عنهم وشبيه بقصتهم مع أن أكثر أهل التأويل عليه . وقال الجبائي : الآية في المنافقين ، لأنهم كانوا يعطون المؤمنين شيئاً يستعينون به على الجهاد لا على وجه القربة إلى الله بل على وجه الرياء ويفرحون بذلك ، ويريدون مع ذلك أن يحمدوا على ذلك ويعتقد أنهم فعلوه لوجه القربة ، فقال : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " بمنزلة المؤمنين الذين يفعلون الافعال لله على وجه القربة إليه . وقال : " فلا تحسبنهم " مع ذلك بمنجاة " من العذاب " بل " لهم عذاب أليم " يعني مؤلم فحسبان الثاني متعلق بغير ما تعلق به الأول ، فلذلك كرر . فان قيل : أين خبر " لا تحسبن " الاولى ؟ قلنا : عنه جوابان : أحدهما - { بمفازة من العذاب } ، لأنها مكررة لطول الكلام . وقيل : الفاء زائدة على هذا ، وهو قول الزجاج . والثاني - ان الخبر محذوف ، كأنه قال ناجين ، ودلّ الخبر الاخير عليه . فان قيل : كيف يجوز أن يذم بالفرح وليس من فعل الانسان ؟ قلنا ذم بالتعرض له على جهة الاشر والبطر كما قال : { لا يحب الفرحين } .