Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 195-195)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ حمزة والكسائي وخلف " وقتلوا وقاتلوا " بتقديم المفعولين على الفاعلين الباقون { قاتلوا وقتلو } بتقديم الفاعلين على المفعولين ، وشدد التاء من { قتلوا } ابن كثير وابن عامر . وقرأ عمر بن عبد العزيز { وقتلوا } بلا الف { وقتلوا } وقال الطبري القراءة بتقديم المفعولين لا تجوز ، وهذا خطأ ظاهر ، لأن من اختار اسم الفاعلين على المفعولين ، وجه قراءته أن القتال قبل القتل . ومن قدم المفعولين على الفاعلين وجه قراءته يحتمل أمرين : أحدهما - أن يكون المعطوف بالواو ويجوز أن يكون أولا في المعنى . وان كان مؤخراً في اللفظ ، لأن الواو ، لا يوجب الترتيب وهي تخالف الفاء في هذا المعنى ، وهكذا خلافهم في سورة التوبة . والثاني - أن يكون لما قتل منهم قاتلوا ولم يهنوا ولم يضعفوا لمكان من قتل منهم كما قال تعالى { فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين } وقوله : { فاستجاب لهم ربهم أني } أي بأني وحذف الباء ، ولو قرئ بكسر الهمزة كان جائزاً على تقدير : قال لهم { إني لا أضيع عمل عامل منكم } ومعنى قوله : { فاستجاب } أجابهم ربهم يعني الداعين بما تقدم وصف الله إياهم وأجاب واستجاب بمعنى قال الشاعر : @ وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب @@ أي لم يجبه . { بأني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } من زائدة كما يقال كان من الحديث ومن الأمر ومن القصة . ومن ها هنا أحسن ، لأن حرف النفي قد دخل في قوله : " لا أضيعُ " من ها هنا ليست زائدة ، لأنها دخلت لمعنى ولا يصلح الكلام إلا بها ، لأنها للترجمة والتفسير عن قوله : " منكم " بمعنى لا أضيع عمل عامل منكم من الذكور والاناث ، قالوا ولا تكون من زائدة إلا في موضع جحد . وقوله : { لا أضيع عمل عامل منكم } لم يدركه الجحد لانك لا تقول لا أضرب غلام رجل في الدار ، ولا في البيت ، فيدخل ولا ، لأنه لم ينله الجحد ولكن ( من ) مفسرة . وقوله : { لأكفرن عنهم سيئآتهم } معناه لأذهبنها واسقط عقابها ، وهذه الآية ، والتي قبلها - في قول البلخي - نزلت في المتبعين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمهاجرين معه ثم هي في جميع من سلك سبيلهم واتبع آثارهم من المسلمين . وقوله : { لأكفرن عنهم سيئآتهم } أي لأغطينها وأمحونها وأحطنها عنهم بما ينالهم من ألم الهجرة والجهاد واحتمال تلك الشدائد في جنب الله . وحمل السيئآت على الصغائر . وقوله : { ثواباً من عند الله } نصب على المصدر ذكر على وجه التأكيد ، لأن معنى { ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار } لأثيبنهم ، ومثله " كتاب الله عليكم " لأن قوله : { حرمت عليكم أمهاتكم وبنانكم } معناه كتب الله عليكم " وكتاب الله عليكم " مؤكد ومثل ذلك { صنع الله الذي } لأن قوله : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب } قد علم منه أن ذلك صنع الله . وقوله : { من ذكر أو أنثى } روي انه قيل لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ما بال الرجال يذكرون ، ولا تذكر النساء في الهجرة ، فأنزل الله هذه الآية روي ذلك عن مجاهد ، وعمرو بن دينار ، ويقال ان القائل لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كانت أم سلمة ( رض ) . وقوله : { بعضكم من بعض } قال أبو علي : يحتمل أمرين : أحدهما - أن يريد بقوله : { بعضكم } العاملين { من بعض } يعني بعض العمل الذي أمرتم به . والثاني - أن يكون عنى بقوله : { بعضكم من بعض } أن ذكور المؤمنين وأناثهم مستوون في أن لا يضيع الله لأحد منهم عملا ، وان يجازيهم على طاعاتهم ، فأناث المؤمنين بعض المؤمنين ، وكذلك ذكورهم ، فبعضهم كبعض في هذا الباب . وقال الطبري { بعضكم } يعني الذين يذكرونني { قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم } من بعض في النصرة ، والملة ، والدين ، وحكم جميعكم فيما أفعل بكم حكم أحدكم في { أني لا أضيع عمل عامل } ذكر منكم ولا أنثى . والاضاعة : الاهلاك . ضاع الشيء يضيع : إذا هلك . وأضاعه اضاعة وضيعه تضييعاً ، ومنه الضيعة : القرية . وقوله : { فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم } يعني الذين هاجروا عن قومهم من أهل الكفر في الله إلى اخوانهم المؤمنين { وأخرجوا من ديارهم } هم المهاجرون الذين أخرجهم المشركون من مكة { وأوذوا في سبيلي } بمعنى أوذوا في طاعتي وعبادتي ، وديني . وذلك هو سبيل الله { وقاتلوا } يعني في سبيل الله { وقتلوا } فيها { لأكفرن عنهم سيئآتهم } يعني لأمحونها عنهم ، ولأتفضلن عليهم بعفوي ورحمتي ، ولأغفرنها لهم . وذلك يدل على أن إسقاط العقاب تفضل على كل حال . { ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً } يعني جزاء لهم على أعمالهم { والله عنده حسن الثواب } معناه أن عنده من حسن الجزاء على الاعمال ما لا يبلغه وصف واصف مما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر .