Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 11-20)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابو عمرو ، وروح ويحيى والعليمي { ثم إليه يرجعون } بالياء على وجه الخبر . الباقون - بالتاء - على الخطاب . يقول الله تعالى مخبراً عن نفسه أنه هو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده يبدؤهم إبتداء فيوجدهم بعد أن كانوا معدومين على وجه الاختراع ثم يعيدهم أي يميتهم ويفنيهم بعد وجودهم ، ثم يعيدهم ثانياً كما بدأهم أولا ، ثم يرجعون اليه يوم القيامة ليجازيهم على أفعالهم ، على الطاعات بالثواب وعلى المعاصي بالعقاب . واستدل قوم بهذه الآية على صحة الرجعة بأن قالوا { الله يبدؤ الخلق } معناه ابتداء خلقهم { ثم يعيده } إذا أماته في زمان الرجعة { ثم إليه ترجعون } يوم القيامة ، وهذا ليس بمعتمد ، لان لقائل أن يقول : قوله { ثم يعيده } يجوز أن يكون المراد به احياءهم في القبر للمساءلة التي لا خلاف فيها { ثم إليه ترجعون } يوم القيامة ، فلا يمكن الاعتماد عليه . و ( البدء ) أول الفعل وهو على وجهين : احدهما - انه اول الفعل وهو جزء منه مقدم على غيره . والثاني - انه موجود قبل غيره من غير طريق الفعلية ، يقال : بدأ يبدؤ بدءاً وابتدء يبتدئ ابتداء . والابتداء نقيض الانتهاء ، والبدؤ نقيض العود . والخلق - ها هنا - بمعنى المخلوق . ومثله قوله { هذا خلق الله } وتقول هذا الخلق من الناس ، وقد يكون الخلق مصدراً من خلق الله العباد ، والخلق كالاحداث والمخلوق كالمحدث . والاعادة فعل الشيء ثانية . وقولهم : اعاد الكلام فهو على تقدير ذلك ، كأنه قد اتى به ثانية إذا اتى بمثله ، وإن كان الكلام لا يبقى ولا يصح اعادته . وقد يكون الاعادة فعل ما به يكون الشيء إلى ما كان من غير ايجاد عينه كاعادة الكتاب إلى مكانه . ومثل الاعادة الرجعة والنشأة الثانية . وقوله { ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون } قيل : معناه ييئسون ، وقيل : يتحيرون ، وقيل : تنقطع حججهم ، فالابلاس التحير عند لزوم الحجة ، فالمجرم يبلس يوم القيامة ، لأنه تظهر جلائل آيات الآخرة التي تقع عندها على الضرورة فيتحير أعظم الحيرة ، قال العجاج : @ يا صاح هل تعرف رسماً مكرساً قال نعم أعرفه وأبلسا @@ وقوله { ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء } أي لم يكن في أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ، ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله من يشفع لهم . وقيل : شركاؤهم لأنهم كانوا يجعلون لها نصيباً في أموالهم . وقيل : شركاؤهم الذين جعلوهم شركاء في العبادة { وكانوا بشركائهم كافرين } أي يجحدون شركاءهم ذلك اليوم ، لأنه يحصل لهم المعرفة بالله ضرورة . وأصل الشرك إضافة الملك إلى اثنين فصاعداً على طريق القسمة التي تمنع من اضافته إلى الواحد ، فالانسان على هذا يكون شريكاً لانسان آخر في الشيء إذا ملكاه جميعاً ، والله تعالى مالك له ، ملكه هذا الانسان او لم يملكه . وقوله { ويوم تقوم الساعة } يعني القيامة { يومئذ يتفرقون } قيل : يتميز المؤمنون من الكافرين . وقيل : معناه لا يلوي واحد منهم على حاجة غيره ، ولا يلتفت اليه ، وفي ذلك نهاية الحث على الاستعداد والتأهب لذلك المقام . ثم قال { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعني صدقوا بتوحيد الله وصدق رسله ، وعملوا الصالحات ، وتركوا القبائح { فهم في روضة يحبرون } أى يسرون سروراً تبين أثره عليهم ، ومنه الحبرة وهي المسرة ، ومنه الحبر العالم ، والتحبير التحسين الذى يسر به . وانما خص ذكر الروضة - ها هنا - لأنه لم يكن عند العرب شيء أحسن منظراً ولا اطيب ريحاً من الرياض ، كما قال الشاعر : @ ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل يضاحك الشمس منها كوكب شرق مؤزر بعميم النبت مكتهل يوماً بأطيب منها نشر رائحة ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل @@ والحبرة هي السرور والغبطة ، قال العجاج : @ فالحمد لله الذى أعطى الحبر موالي الحق إن المولى شكر @@ ثم بين تعالى أن الكفار في ضد ما فيه اهل الجنة ، فقال { وأما الذين كفروا } بنعم الله وجحدوا آياته ثم انكروا لقاء ثوابه وعقابه يوم القيامة { فهم في العذاب محضرون } أى محضرون فيها ، ولفظة الاحضار لا تستعمل إلا فيما يكرهه الانسان ، ومنه حضور الوفاة ، ويقال : احضر فلان مجلس السلطان إذا جيء به بما لا يؤثره ، والاحضار إيجاد ما به يكون الشيء حاضراً إما بايجاد عينه كاحضار المعنى في النفس او بايجاد غيره ، كايجاد ما به يكون الانسان حاضراً . ثم قال تعالى { سبحان الله } أى تنزيها لله تعالى مما لا يليق به ولا يجوز عليه من صفات نقص او ينافي عظمه ، وما اختص به من الصفات . وقوله { حين تمسون وحين تصحبون } فالامساء الدخول في المساء ، والمساء مجيء الظلام بالليل ، والاصباح نقيضه ، وهو الدخول في الصباح ، وهو مجيء ضوء النهار . ثم قال { وله الحمد في السماوات } يعني الثناء والمدح في السموات { والأرض وعشياً } أى وفي العشي { وحين تظهرون } أى حين تدخلون في الظهيرة وهي نصف النهار . وإنما خص تعالى العشي والاظهار في الذكر بالحمد وإن كان الحمد واجباً في جميع الأوقات ، لانها أحوال تذكر باحسان الله ، وذلك أن انقضاء احسان اول إلى احسان يقتضي الحمد عند تمام الاحسان والأخذ في الآخر ، كما قال تعالى { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } وقيل : إن هذه الآية تدل على الصلوات الخمس في اليوم والليلة ، لأن قوله { حين تمسون } يقتضي المغرب والعشاء الآخرة { وحين تصبحون } يقتضي صلاة الفجر { وعشياً } يقتضي صلاة العصر { وحين تظهرون } يقتضي صلاة الظهر - ذكره ابن عباس ، ومجاهد - . ثم اخبر تعالى انه الذى { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } قال ابن عباس وابن مسعود : معناه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فانه يخرج الانسان وهو الحي من النطفة ، وهي الميتة ، ويخرج الميتة وهي النطفة من الانسان وهو حي . وقال قتادة : يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن . وقوله { ويحي الأرض بعد موتها } اي يحييها بالنبات بعد جدوبها ، ولا يجوز أن يكون المراد إحياء الأرض حقيقة ، كما لا يكون الانسان أسداً حقيقة إذا قيل فلان اسد ، لانه يراد بذلك التشبيه والاستعارة ، فكذلك احياء الارض بعد موتها ، كأنها تحيا بالنبات الذى فيها . وقوله { وكذلك تخرجون } قرأ اهل الكوفة إلا عاصماً والاعشى من طريق الطبرى - بفتح التاء - أضاف الفعل الذى هو الخروج اليهم . الباقون - بالضم - بمعنى يخرجهم الله ، والمعنيان قريبان ، لانهم إذا أخرجوا ، فقد خرجوا ، والمعنى مثل ما يخرج النبات من الارض كذلك يخرجكم الله بعد ان لم يكن كذلك ، تخرجون إلى دار الدنيا بعد ان لم تكونوا ، ويعيدكم يوم القيامة بعد ان كنتم قد اعدمكم الله أى لا يشق عليه ذلك . كمالا يشق عليه هذا . ثم قال تعالى { ومن آياته } أي أدلته الواضحة { أن خلقكم من تراب } يعني انه خلق آدم الذى هو ابوكم وأصلكم - في قول قتادة وغيره - { ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } من نسله وذريته ، و { تتفرقون } في أطراف الارض فهلا دلكم ذلك على انه لا يقدر على ذلك غيره تعالى ؟ وانه الذى يستحق العبادة دون غيره من جميع خلقه . وفي هذه الآيات - دلالة واضحة على صحة القياس العقلي ، وحسن النظر بلا شك ، بخلاف ما يقول قوم : ان النظر باطل . فأما دلالته على القياس الشرعي فبعيد لا يعول على مثله .