Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 6-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ اهل الحجاز والبصرة والبرجمي ، والسموني ، والكسائي عن ابي بكر { عاقبة الذين } بالرفع . الباقون بالنصب . من نصب جعلها خبر { كان } وقدمها على الاسم ، واسمها يحتمل ان يكون السوء وتقديره : ثم كان السوء عاقبة الذين . ويحتمل ان يكون ما بعد { أن } في قوله { أن كذبوا } . ومن رفع [ عاقبة ] جعلها اسم { كان } والخبر السوء . ويحتمل ان يكون الخبر { أن كذبوا } وتقديره ثم كان عاقبة المسيء التكذيب بآيات الله ، أي لم يظفر في شركه وكفره إلا بالتكذيب ، ويكون السوء على هذا نصباً على المصدر في قوله { وعد الله } نصب على المصدر ، وتقديره : إن ما ذكره الله تعالى من ان الروم ستغلب فارس في ما بعد ، وعد وعداً لله لا يخلف وعده ، وتقديره وعداً لله وعده كما قال الشاعر : @ يسعى الوشاة جنابيها وقيلهم إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول @@ أي ويقولون : قيلهم ، والاخلاف فعل خلاف ما تقدم الوعد به ، وسبيل الوعد بالخير والوعيد بالشر واحد في انه إذا وقع فيه خلاف ما تضمنه كان خلفاً ، ثم قال { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } صحة ما اخبرناك به لجهلهم بالله وتفريطهم في النظر المؤدي إلى معرفة الله ، ولا يناقض قوله { لا يعلمون } لقوله { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } لأن ذلك ورد مورد المبالغة لهم بالذم لتضييعهم على ما يلزمهم من أمر الله ، كأنهم لا يعلمون شيئاً . ثم بين حالهم في ما عقلوا عنه ، وما عملوه . ومعنى { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } أي عمران الدنيا متى يزرعون ومتى يحصدون ، وكيف يبنون ومن أين يعيشون وهم جهال بأمر الآخرة ، وله مضيعون - ذكره ابن عباس - أي عمروا الدنيا واخربوا الآخرة . والظاهر هو الذي يصح ان يدرك من غير كشف عنه . فالله تعالى ظاهر بالأدلة . باطن عن حواس خلقه . والأمور كلها ظاهرة له ، لأنه يعلمها من غير كشف عنها ولا دلالة تؤديه اليها . وكلما يعلم بأوائل العقول ظاهر وكلما يعلم بدليل العقل باطن ، لأن دليل العقل يجري مجرى الكشف عن صحة المعنى - في صفته - والغفلة ذهاب المعنى عن النفس كحال النائم ، ونقيضه اليقظة . وهي حضور المعنى للنفس كحال المنتبه . ونقيضه السهو . ثم قال تعالى منبهاً لخلقه على وجه الدلالة على توحيده { أولم يتفكروا في أنفسهم } فيعلموا ان الله لم يخلق { السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } بمعنى الاستدلال بهما على توحيده { وأجل مسمى } للاشياء التي للعباد فيها مصلحة بالاعتبار به اذا تصوروا ذلك في الاخبار عنه انه مع كثرته وعظمه محصل بتسمية تنبئ عنه ، لا يتأخر ولا يتقدم ، بالاوصاف التي ذكرها الله تعالى عالم بجميع ذلك لا يخفى عليه شيء منه . ثم قال { وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون } أي بلقاء ثواب الله وعقابه كافرون . يجحدون صحة ذلك ولا يعترفون به . ثم قال منبهاً لهم دفعة أخرى { أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } من الأمم { كانوا أشد منهم قوة وآثاروا الأرض } أي حرثوها لعمارتها - في قول مجاهد والسدي - و { عمروها أكثر مما عمروها } هؤلاء يعني أهل مكة { وجاءتهم رسلهم بالبينات } يعني أتتهم الرسل بالدلالات من عند الله . وفي الكلام حذف ، لان تقديره ، فكذبوا بتلك الرسل ، وجحدوا الآيات فأهلكهم الله بأنواع العذاب . ثم قال { فما كان الله ليظلمهم } بأن يهلكهم من غير استحقاق ابتداء ، وفي ذلك بطلان قول المجبرة : ان الله يبتدئ خلقه بالهلاك . ثم قال { ولكن كانوا } هم { أنفسهم يظلمون } بأن جحدوا نعم الله واشركوا في العبادة معه غيره ، وكذبوا رسله وعصوه بأنواع العصيان ، حتى استحقوا العقاب عاجلا وآجلا . ثم قال { ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوء } اخبار منه تعالى بأن عاقبة الذين أساؤا إلى نفوسهم بالكفر بالله تعالى ، وتكذيب رسله وارتكاب معاصيه { السوء } وهي الخصلة التي تسوء صاحبها إذا أدركها ، وهي عذاب النار - في قول ابن عباس وقتادة وغيرهما - { أن كذبوا } ومعناه لأن كذبوا { بآيات الله } أي جحدوا أدلته ولم يؤمنوا بها { وكانوا بها } بتلك الادلة { يستهزؤن } أي يسخرون منها ويتهزؤن بها . وقيل : معنى الآية أنهم حفروا الأنهار وغرسوا الأشجار وشيدوا البنيان وصاروا إلى الهلاك على أسوء حال بالعصيان ولم يفكروا في الموت ، وانهم يخرجون من الدنيا ويصيرون إلى الحساب والجزاء .