Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 26-30)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى بعد أن ذكر ما يدل على توحيده ، وإخلاص العبادة له أن { له من في السماوات والأرض } من العقلاء فانه يملكهم ويملك التصرف فيهم ، وليس لاحد منعه منه والاعتراض عليه ، وخص العقلاء بذلك لأن ما عداهم في حكم التبع . ثم اخبر عن جميع من في السموات والارض بأنهم قانتون له . قال مجاهد : معناه مطيعون وقال ابن عباس : معناه مصلون . وقال عكرمة : مقرون له بالعبودية . وقال الحسن : كل له قائم بالشهادة فالقانت الدائم على أمر واحد فالملائكة وغيرهم من المؤمنين دائمون على أمر واحد في الذلة لله في لزوم الطاعة لله تعالى ، والكافرون وغيرهم من الفساق دائمون على أمر واحد في الذلة لله - عز وجل - إلا أن منهم من هو بخلقته وفعله ، ومنهم من هو بخلقته . ثم قال تعالى { وهو الذي يبدؤ الخلق } اي يخترعهم ابتداء وينشئهم { ثم يعيده } إذا أعدمه { وهو أهون عليه } قال ابن عباس وقتادة ومجاهد : اي هو ايسر ، وكل هين . وروي عن ابن عباس ايضاً : ان معناه وهو هين عليه ، فـ ( افعل ) بمعنى ( فاعل ) وقال بعضهم { وهو أهون } على الخلق ، لأن الانشاء أولا من نطفة إلى علقة ومن علقة إلى مضغة على التدريج ، وفي الاعادة يعادون دفعة واحدة ، وحكي عن ابن عباس : انه قال المعنى وهو أهون عليه عندكم ، لأنكم أقررتم بأنه يبدؤ الخلق ، فاعادة الشيء عند المخلوقين أهون من ابتدائه ، قال الشاعر - في أهون بمعنى هين : @ تمنى رجال أن أموت وان أمت فتلك سبيل لست فيها باوحد @@ أي بواحد . وقال الراجز : @ قبحتموا يا آل زيد نفرا الام قوم أصغراً واكبرا @@ أي صغيراً وكبيراً ، وقال معن بن أوس : @ لعمرك ما ادري واني لاوجل على أينا تعدو المنية أول @@ أي لواجل . والله أكبر بمعنى تكبير . ويقال للسلطان : الأعظم بمعنى عظيم . وقوله { وله المثل الأعلى في السماوات والأرض } قال قتادة وهو قول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لأنه دائم في السموات والارض ، يقول الثاني فيه كما قال الأول . وقيل : المعنى وله الصفة العليا ، لأنها دائرة يصفه بها الثاني كما يصفه بها الأول . وقيل : النشأة الثانية يا أهل الكفر ينبغى أن تكون أهون عليه . ثم قال { وله المثل الأعلى } فذلك دليل على انه مثل ضربه الله . ذكره الفراء . وقوله { وهو العزيز الحكيم } يعني في انتقامه من اعدائه ، الحكيم في تدبيره لخلقه . ثم قال { ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء } المعنى إنكم إذا لم ترضوا في عبيدكم أن يكونوا شركاء لكم في أموالكم وأملاككم ، فكيف ترضون لربكم ان يكون له شركاء في العبادة ! ! . وقال قتادة : كما لا ترضون أن يكون عبيدكم شركاءكم في فراشكم وأزواجكم كذلك لا ترضوا في ربكم الذي خلقكم أن يعدل به أحد من خلقه فيشرك بينهما في العبادة . وقوله { تخافونهم كخيفتكم أنفسكم } قال ابو مخلد : معناه تخافون عبيدكم أن يشاركوكم في أموالكم كما تخافون الشريك من نظرائكم . وقيل : تخافون ان يرثوكم كما يرث بعضكم من بعض - ذكره ابن عباس - وقيل : معناه تخافونهم كخيفتكم أنفسكم في اتلاف المال بانفاقه . ثم قال { كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون } أي كما ميزنا لكم هذه الأدلة نفصل الأدلة لقوم يعقلون ، فيتدبرون ذلك ويفكرون فيها . وقال سعيد ابن جبير : كان اهل الجاهلية إذا لبو قالوا : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هولك تملكه وما ملك . فأنزل الله الآية رداً . عليهم وإنكار لقولهم ثم قال تعالى { بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم } معناه إن هؤلاء الكفار لم يتفكروا في أدلة الله ، ولا انتفعوا بها بل اتبعوا اهواءهم وشهواتهم بغير علم منهم بصحة ما اتبعوه . ثم قال { فمن يهدي من أضل الله } وقيل : المعنى من يهدي إلى الثواب من أضله الله عنه . وقيل : المعنى من يحكم بهداية من حكم الله بضلالته . ثم قال { وما لهم من ناصرين } أي ليس لهم من ينصرهم ويدفع عذاب الله إذا حل بهم . ثم قال تعالى مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين { فأقم وجهك للدين حنيفاً } أمرهم الله بأن يوجهوا عبادتهم إلى الله على الاستقامة دون الاشراك في العبادة . ثم قال { فطرة الله التي فطر الناس عليها } قال مجاهد : فطرة الله الاسلام . وقيل : فطر الناس عليها ولها وبها بمعنى واحد ، كما يقول القائل لرسوله : بعثتك على هذا ولهذا وبهذا بمعنى واحد . ونصب { فطرة الله } على المصدر ، وقيل تقديره : اتبع فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لأن الله تعالى خلق الخلق للايمان ، ومنه قوله صلى الله عليه وآله " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " ومعنى الفطر الشق ابتداء يقولون : أنا فطرت هذا الشيء اي أنا ابتدأته ، والمعنى خلق الله الخلق للتوحيد والاسلام . وقوله { لا تبديل لخلق الله } قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك وابن زيد وابراهيم : لا تبديل لدين الله الذي أمركم به من توحيده وعدله وإخلاص العبادة له ، وهو قول ابن عباس وعكرمة . وقيل : المراد نفي الخطأ . ثم قال { ذلك الدين القيم } أي ما بيناه من التوحيد والعدل واخلاص العبادة لله هو الدين القيم أي المستقيم الذي يجب اتباعه { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } صحة ذلك لعدولهم عن النظر فيه .