Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 31-35)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة والكسائي وابن عامر { فارقوا } بألف وتخفيف الراء . الباقون بغير الف وتشديد الراء . من قرأ بألف أراد : فارقوا دينهم الذي أمروا باتباعه . ومن شدد اراد : انهم اختلفوا في دينهم . قوله { منيبين إليه } نصب على الحال وتقديره فاقم وجهك للدين يا محمد أنت والمؤمنون منيبين إلى الله ، ولا يجوز أن يكون حالا { من فطرة الله التي فطر الناس عليها } لانه ما فطرهم منيبين ، والانابة الانقطاع إلى الله تعالى بالطاعة وأصله على هذا القطع . ومنه الناب ، لانه قاطع ، وأناب في الأمر إذا نشب فيه ، كما ينشب الناب المقاطع ، ويجوز أن يكون من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة ، فيكون على هذا الانابة التوبة التي يجددها مرة بعد مرة . ثم قال { واتقوه } أي اجتنبوا معاصيه ، واتقوا عقابه { وأقيموا الصلاة } التي أمركم الله تعالى بها أي دوموا عليها ، وقوموا بادائها ، فالصلاة وإن كانت في حكم المجمل ، ولم يبين شروطها - في الآية - فقد أحال على بيان النبي صلى الله عليه وآله هذا إذا اراد بالصلاة تعريف الجنس ، وإن أراد العهد الذي استقر في الشرع ، فهو على ما قد استقر في الشرع { ولا تكونوا من المشركين } نهي لهم عن أن يكونوا من جملة من أشرك بعبادة الله سواه ، ثم قال { من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً } قال الفراء : يجوز ان يكون التقدير : ولا تكونوا من المشركين من جملة الدين فرقوا دينهم ، ويجوز أن يكون من الذين فرقوا ابتداء ، وتقديره الذين تفرقوا وكانوا شيعاً { كل حزب بما لديهم فرحون } فالتفريق جعل أحد الشيئين مفارقاً لصاحبه وضده الجمع ، وهو جمع أحد الشيئين إلى صاحبه ، فتفريق الدين جعل احدهما ليس مع الآخر في معنى ما يدعو اليه العقل ، وهو منكر لمخالفته داعي العقل ، والدين العمل الذي يستحق به الجزاء ، ودين الاسلام العمل الذي عليه الثواب . ولو جمعوا دينهم في أمر الله ونهيه لكانوا مصيبين ، ولكنهم فرقوا بأخراجه عن حد الأمر والنهي من الله وكانوا بذلك مبطلين خارجين عن الحق الذي أمر الله به . ومن قرأ { فارقوا } بألف أراد : فارقوا دينهم الذي أمرهم الله باتباعه . وقوله { وكانوا شيعاً } أي فرقاً ، والشيع الفرق التي يجتمع كل فريق منها على مذهب ، خلاف مذهب الفريق الآخر ، وشيعة الحق هم الذين اجتمعوا على الحق . وكذلك شيعة أمير المؤمنين عليه السلام هم الذين اجتمعوا معه على الحق وقال قتادة : المعنى بقوله { من الذين فرقوا دينهم } اليهود والنصارى ، وقال غيره : كل من خالف دين الحق الذي أمر الله به داخل فيه وهو أعم فائدة . ثم اخبر تعالى ان { كل حزب } أي كل فريق { بما لديهم فرحون } من الاعتقاد الذي يعتقدونه يسرون به لاعتقادهم أنه الحق دون غيره . وقوله { وإذا مس الناس ضرّ دعوا ربهم منيبين إليه } قال الحسن : إذا أصابهم مرض او فقر دعوا الله تعالى راجعين اليه مخلصين في الدعاء له { ثم إذا أذاقهم منه رحمة } بأن يعافيهم من المرض أو يغنيهم من الفقر نعمة منه تعالى عليهم { إذا فريق منهم بربهم يشركون } أي يعودون إلى عبادة غير الله بخلاف ما يقتضي العقل في مقابلة النعمة بالشكر . ثم بين أنهم يفعلون ذلك { ليكفروا بما آتيناهم } أى بما آتاهم الله من نعمه . ثم قال تعالى مهدداً لهم { فتمتعوا } أي انتفعوا بهذه النعم الدنيوية كيف شئتم { فسوف تعلمون } ما فيه من كفركم ومعصيتكم أي تصيرون في العاقبة إلى عذاب الله وأليم عقابه . وقوله { أم أنزلنا عليهم سلطاناً } اي هل أنزلنا عليهم برهاناً وحجة يتسلطون به على ما ذهبوا اليه ، ويحتمل أن يكون المراد هل ارسلنا اليهم رسولا فاذا حمل على البرهان ، فهو بمنزلة الناطق بالأمر لاظهاره إياه . وقوله { فهو يتكلم بما كانوا به يشركون } اي هل انزلنا عليهم سلطاناً اي رسولا يتكلم بأنا ارسلناه بما يدعونه من الاشراك مع الله في العبادة ، فانهم لا يقدرون على ذلك ولا يمكنهم ادعاء حجة عليه ولا برهان ، والكلام وإن خرج مخرج الاستفهام فالمراد به التبكيت .