Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 41-45)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن كثير - في رواية ابن مجاهد - عن قنبل وروح { لنذيقهم } بالنون . الباقون بالياء . فمن قرأ بالنون فعلى وجه اخبار الله عن نفسه أنه الذي يذيقهم . ومن قرأ بالياء فالمعنى ليذيقهم الله بعض الذي عملوا . يقول الله تعالى { ظهر الفساد في البر والبحر } قيل : فساد البر هو ما يحصل فيها من المخاوف المانعة من سلوكه ، ويكون بخذلان الله عز وجل لاهل العقاب به ، وفساد البحر اضطراب أمره حتى لا يكون متصرفاً فيه ، وكل ذلك ليرتدعوا عن معاصيه . وقال قتادة : المعنى ظهر الفساد في أهل البر والبحر فأهل البر أهل البادية وأهل البحر أهل القرى الذين على الانهار العظيمة ويكون قوله { بما كسبت أيدي الناس } معناه يخلي الله بينهم وبين المعاصي جزاء على ما سبق منهم من المعاصي . وقال مجاهد : البر ظهر الأرض والبحر هو البحر المعروف ، لأنه يؤخذ فيه كل سفينة غصباً . وقيل : البر الأرض القفر والبحر المجرى الواسع للماء عذباً كان أو ملحاً ، وسمي البر براً ، لانه يبر بصلاح المقام فيه خلاف البحر ، ومنه البر لأنه يبرّ بصلاحه في الغذاء أتم الصلاح . وقيل : الفساد المعاصي ودليله قوله تعالى { والله لا يحب الفساد } والتقدير . ظهر عقاب الفساد في البر والبحر ، والظهور خروج الشيء إلى حيث يقع عليه الاحساس والعلم به بمنزلة الادراك له . وقد يظهر الشيء بخروجه عن وعاء أو وجوده عن عدم أو ظهوره بدليل . وقيل : بالعدل ينبت الله الزرع ويدر الضرع ، وبالظلم يكون القحط وضيق الرزق . وقوله { بما كسبت أيدي الناس } أي جزاء على ما فعله الناس . والكسب فعل الشيء لاجتلاب نفع إلى نفس الفاعل أو دفع ضرر عنه ، فالقادر لنفسه يقدر على مثله في الحالتين لاجتلاب نفع إلى غيره أو دفع ضرر عنه ، غير انه لا يوصف بهذه الصفة وإن قدر على مثله . وقوله { ليذيقهم بعض الذي عملوا } معناه ليصيبهم الله بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها من المعاصي { لعلهم يرجعون } أي ليرجعوا عنها في المستقبل ، وتقديره فعل الله تعالى القحط والشدائد والجدب وقلة الثمار وهلاك النفوس عقوبة على معاصيهم ليذيقهم بذلك عقاب بعض ما عملوا من المعاصي ليرجعوا عنها في المستقبل ، ليذيقهم عقابه غير انه اجري على بعض العمل لانهم بذواقهم جزاءه كأنهم ذاقوه . وهذا من الحذف الحسن ، لأنه حذف المسبب وإقامة السبب الذي أدى اليه مقامه . ثم بين تعالى انه فعل بهم هذا ليرجعوا عن معاصيه إلى طاعته . ثم خاطب تعالى نبيه صلى الله عليه وآله فقال له { قل } لهم يا محمد { سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان اكثرهم مشركين } أي فكروا فيمن تقدم من الامم التي اشركت بالله أكثرهم ، والمؤمنون كانوا قليلين فيهم كيف أهلكهم الله ودمر عليهم . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { فأقم وجهك للدين القيم } ومعناه استقم للدين المستقيم بصاحبه إلى الجنة أي لا يعدل عنه يميناً ولا شمالا ، فانك متى فعلت ذلك أداك إلى الجنة ، وهو مثل قوله { ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم } مجانس فيه للبلاغة ومنه قوله { يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار } ومنه { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } . { من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون } أي استقيموا على الطريق المستقيم قبل يوم القيامة الذي تتفرفون فيه فرقتين ، فريق في الجنة وفريق في السعير - ذكره قتادة - وقال الحسن : الدين القيم الطاعة لله . ثم قال { من كفر } بالله وجحد نعمه { فعليه كفره } أي فعليه جزاء كفره لا يعاقب أحد بذنب غيره ، كما قال { ولا ترز وازرة وزر أخرى } { ومن عمل صالحاً } يعني الايمان بالله وأفعال الطاعات { فلأنفسهم يمهدون } والتمهيد والتمكين والتوطيد نظائر أي ثواب ذلك واصل اليهم وتتمهد احوالهم الحسنة عند الله . وقوله { ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله } اخبار منه تعالى أنه الذي يجزي الذين يطيعون الله تعالى ويجتنبون معاصيه ثواب الجنة من فضله على خلقه { إنه لا يحب الكافرين } أى لا يريد منافعهم ولا ثوابهم ، وانما يريد عقابهم جزاء على كفرهم .