Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 36-40)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ نافع وابو جعفر { لتربوا } بالتاء وسكون الواو ، الباقون بالياء وفتح الواو ، وقرأ ابن كثير { وما أتيتم من ربا } بالقصر . الباقون بالمد . واتفقوا على المد في قوله { وما آتيتم من زكاة } وقرأ حمزة والكسائي وخلف { عما يشركون } بالياء . الباقون بالتاء . قال ابو علي : المعنى وما آتيتم من هدية أهديتموها لتعوضوا اكثر منها ، فلا يربو عند الله ، لأنكم قصدتم زيادة العوض دون وجه الله ، وهو كقوله { ولا تمنن تستكثر } فمن مدّ اراد أعطيتم من قوله { فآتاهم الله ثواب الدنيا } ومن قصره فالمعنى يؤل إلى قول من مد إلا انه على لفظ ( فعلتم ) ومدهم لقوله { وما آتيتم من زكاة } فلقوله { وإيتاء الزكاة } ولو قال أتيت الزكوة لجاز أن يعني به : فعلتها ولكن لفظ القرآن على الايتاء . ومن ضم { لتربوا } فالمعنى لتصيروا ذوي زيادة في ما آتيتم من أموال الناس أي يستدعونها من أربى إذا صار ذا زيادة مثل أقطف واضرب . ومن فتح أسند الفعل إلى الربوا المذكور وقدر المضاف ، فحذفه كما قيل : اجتذاب أموال الناس واجتلابه . ويجوز ذلك . وسمي هذا المدفوع على هذا الوجه ربا لما كان فيه من الاستزادة . يقول الله تعالى مخبراً عن خلقه بأنه إذا أذاقهم رحمة من عنده بأن ينعم عليهم بضروب النعم ويصح أجسامهم ويدرّ أرزاقهم ويكثر مواشيهم وغير ذلك من النعم ، إنهم يفرحون بذلك ويسرون به فـ { إذا } شرط وجوابه { فرحوا بها } وإنما جاء الجزاء بـ { إذا } ولم يجيء بـ ( حين ) ، لأن { إذا } اشبه بالفاء من جهة البناء ، والزم للفعل من جهة أنه لا يضاف إلى مفرد ، فصار بمنزلة الفاء في ترتيب الفعل ، وليس كذلك ( حين ) . وشبه إدراك الرحمة بادراك الطعم ، فسماه ذوقاً . { وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم } هو اخبار منه تعالى أنه إن أصابهم عذاب من الله تعالى جزاء على ما كسبته أيديهم { إذا هم يقنطون } أي ييأسون من رحمة الله ، والقنوط اليأس من الفرج ، قال جهد الأرقط : @ قد وجدوا الحجاج غير قانط @@ وإنما قال { بما قدمت أيديهم } ولم يقل بما قدموا على التغليب للاكثر الأظهر ، لان اكثر العمل وأظهره لليدين ، والعمل بالقلب وإن كان كثيراً فهو أخفى ، وانما يغلب الأظهر . ويجوز أن يكون ما يصيبهم - من مصائب الدنيا والآلام بها - بعض العقاب ، فلذلك قال { بما قدمت أيديهم } ويجوز ان يكون لما فعلوا المعاصي اقتضت المصلحة أن يفعل بهم ذلك ، وإن لم يكن عذاباً . ثم قال تعالى منبهاً لهم على توحيده { أولم يروا } أي او لم يفكروا فيعلموا { أن الله يبسط الرزق } اي يوسعه { لمن يشاء ويقدر } اي ويضيق على من يشاء على حسب ما تقتضيه مصالحهم ، وبسط الرزق الزيادة على مقدار القوت منه بما يظهر حاله ، واصل البسط نشر الشيء بما يظهر به طوله وعرضه ، وبسط الرزق مشبه به . ثم قال { إن في ذلك } يعني في البسط للرزق لقوم وتضييقه لقوم آخرين { لآيات } اي لدلالات { لقوم يؤمنون } بالله ، لانهم يعلمون ان ذلك من فضل الله الذي لا يعجزه شيء . ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال { فآت ذا القربى حقه } اي اعط ذوي قرباك يا محمد حقوقهم التي جعلها الله لهم في الاخماس - وهو قول مجاهد - وقيل : إنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله اعطى فاطمة فدكاً ، وسلمه اليها - روى ذلك ابو سعيد الخدري وغيره - وهو المشهور عن ابي جعفر ، وابي عبد الله عليهما السلام . وقال السدى : الآية نزلت في قرابة النبي صلى الله عليه وآله . وقال قوم : المراد به قرابة كل انسان . والأول اظهر ، لأنه خطاب للنبي صلى الله عليه وآله { والمسكين وابن السبيل } تقديره واعط - ايضاً - المسكين ، وهو الفقير ، وابن السبيل وهو المنقطع به حقوقهم التي جعلها الله لهم في الصدقات وغيرها ، والخطاب وإن كان متوجهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله فهو متوجه إلى جميع المكلفين . ثم قال { ذلك خير } يعني اعطاء الحقوق المستحقة خير { للذين يريدون وجه الله } بالاعطاء دون الرياء والسمعة { وأولئك هم المفلحون } الفائزون بثواب الله . ثم قال { وما آتيتم من رباً ليربوا في أموال الناس } قال ابن عباس : هو اعطاء الرجل العطية ليعطى اكثر منها لأنه لم يرد بها طاعة الله . وقال ابن عباس : وابو جعفر الربوا رباءان احدهما - حلال ، والآخر حرام ، فالأول هو ان يعطي الانسان غيره شيئاً لا يطلب اكثر منه فهو مباح ، ولا يربوا عند الله . والآخر - الربوا الحرام . وقال ابن طاوس عن أبيه : إذا أهدى الرجل الهدية ليهدى له أفضل منها فليس فيه أجر ولا وزر ، وكلما فعله الفاعل على أنه حسن للشهوة فليس فيه حد ولا أجر ، وشهوته وشهوة غيره في هذا سواء . وقيل : المعني في الآية التزهيد في الربو ، والترغيب في اعطاء الزكاة وقال الحسن : هو كقوله { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } ولا خير في العطية إذا لم يرد بها وجه الله . وقال الجبائي : وما أتيتم من ربا لتربوا بذلك أموالكم { فلا يربو } لانه لا يملكه المرابي بل هو لصاحبه ، ولا يربو { عند الله } لأنه يستحق به العقاب ، واعطاء المال قد يقع على وجوه كثيرة فمنه إعطاؤه على وجه الصدقة . ومنه اعطاؤه على وجه الهدية . ومنه الصلة . ومنه الودائع . ومن ذلك قضاء الدين ، ومنه البر ومنه الزكاة . ومنه القرض . ومنه النذر وغير ذلك . ثم قال { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله } أي ما اخرجتموه على وجه الزكاة واعطيتموه أهله تريدون بذلك وجه الله دون الربو { فأولئك هم المضعفون } أي يضاعف لهم الحسنات كقوله { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } وقال الكلبي : تضاعف أمواله في الدنيا ، فالمضعف ذو الاضعاف كما أن الميسر ذو اليسار . ثم خاطب تعالى خلقه فقال { الله الذي خلقكم } بعد ان لم تكونوا موجودين { ثم رزقكم } من أنواع الملاذ وملككم التصرف فيها وأباحها لكم { ثم يميتكم } بعد ذلك إذا شاء ليصح ايصالكم إلى ما عوضكم له من الثواب { ثم يحييكم } ليجازيكم على أفعالكم على الطاعات بالثواب وعلى المعاصي بالعقاب { هل من شركائكم } الذين عبدتموهم من دون الله { من يفعل من ذلكم من شيء } أو يقدر عليه فيجوز لذلك توجه العبادة اليه فانهم لا يقدرون على أن يقولوا : نعم يقدرون عليه وانما يعترفون بعجزها عن ذلك ، فيعلموا عند ذلك انها لا تستحق العبادة فلذلك نزه نفسه عقيب ذلك عن أن يشرك معه في العبادة ويتخذ معه معبوداً سواه فقال { سبحانه وتعالى عما يشركون } فمن قرأ بالياء وجه الخطاب إلى الغائب . ومن قرأ بالتاء وجهه إلى المخاطبين ، وفي ذلك تنبيههم على وجوب ضرب الامثال لله تعالى دون غيره من المخلوقات .