Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 16-20)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر { ولا تصعر } بغير ألف في التصعير . الباقون { تصاعر } بألف . وقرأ اهل المدينة { مثقال حبة } رفعاً . الباقون نصباً من رفعه جعل ( كان ) بمعنى حدث ، ووقع ، ولم يجعل لها خبراً . ومن نصب فعلى أنه خبر ( كان ) والاسم مضمر فيها أي إن تك الحبة مثقال . وقرأ نافع وأبو جعفر وابن كثير وابو عمرو وحفص عن عاصم { نعمه } على لفظ الجمع . الباقون { نعمة } على التوحيد . يقول الله تعالى مخبراً عن لقمان ووصيته لابنه ، وأنه قال { يا بني أنها إن تك مثقال حبة من خردل } من خير أو شر { فتكن } عطف على الشرط فلذلك جزمه . وتقديره : إن تلك الحبة لو كانت في جوف صخرة ، وهي الحجر العظيم او تكون في السموات او الأرض { يأت بها الله } ويحاسب عليها ويجازي لأنه لا يخفى عليه شيء منها ، ولا يتعذر عليه الاتيان بها أي موضع كانت ، لأنه قادر لنفسه لا يعجزه شيء عالم لنفسه لا تخفى عليه خافية . وقوله { يأت بها الله } معناه إنه يجازي بها ويواقف عليها فكأنه أتى بها وإن كانت أفعال العباد لا يصح إعادتها ، ولو صح اعادتها لما كانت مقدورة لله . وإنما أراد ما قلناه ، وفي ذلك غاية التهديد والحث على الأخذ بالحزم . والهاء في قوله { إنها } قيل : انها عماد وهو الضمير على شريطة التفسير . وقيل : { إنها } كناية عن الخطيئة او الفعلة التي تقتضي الجزاء ، وهي المضمرة في تلك وانما أنث مثقال ، لأنه مضاف إلى مؤنث وهي الحبة ، كما قيل : ذهبت بعض اصابعه . وكما قيل : @ [ وتشرق بالقول الذي قد اذعته ] كما شرقت صدر القناة من الدم @@ والصخرة وإن كانت في الأرض أو في السماء ، فذكر السموات والارض بعدها مبالغة كقوله { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق } وقد قال بعض المفسرين : ان الصخرة خارجة عن السموات والارض ، وهو ايضاً جائز . وقرأ قتادة { فتكن في صخرة } بكسر الكاف مخففاً من ( وكن يكن ) أي جعل الصخرة كالوكنة . وهو عش الطائر . ذكره ابن خالويه . وحكاه عن ابن مجاهد سماعاً ، واستحسنه . وقوله { إن الله لطيف خبير } قال قتادة : معناه - ها هنا - لطيف باستخراجها ، خبير بمستقرها . واللطيف القادر الذي لا يحفو عن عمل شيء ، لأن من القادرين من يحفو عن عمل اشياء كثيرة كاخراج الجزء الذي لا يتجزأ وتأليفه إلى مثله ، فهو فان كان قادراً عليه ، فهو ممتنع منه ، لانه يحفو عن عمل مثله . والخبير العالم وفيه مبالغة في الصفة ، مشتق من الخبر . ولم يزل الله خبيراً عالماً بوجوه ما يصح أن يخبر به ، والمثقال مقدار يساوي غيره في الوزن ، فمقدار الحبة مقدار حبة في الوزن . وقد صار بالعرف عبارة عن وزن الدينار ، فاذا قيل : مثقال كافور او عنبر ، فمعناه مقدار الدينار بالوزن . ثم حكى ما قاله لقمان لابنه ايضاً قال له { يا بني أقم الصلاة } أي دم عليها وأقم حدودها وشرائطها { وأمر بالمعروف } والمعروف هو الطاعات { وانه عن المنكر } وهي القبائح سواء كانت قبائح عقلية او شرعية { واصبر على ما أصابك } من الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المشقة والأذى وفي ذلك دلالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان فيه بعض المشقة . ثم قال { إن ذلك } أي ما ذكره من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر { من عزم الأمور } من العقد الصحيح على فعل الحسن بدلا من القبيح ، والعزم العقد على الأمر لتوطين النفس على فعله وهي الارادة المتقدمة للفعل بأكثر من وقت ، لان التلون في الرأي يناقض العزم . قال الله تعالى { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } ثم حكى ما قال لقمان لابنه ، فانه قال له ايضاً { ولا تصعر خدك للناس } ومعناه لا تعرض بوجهك عن الناس تكبراً - ذكره ابن عباس - واصل الصعر داء يأخذ الابل في اعناقها أو رؤسها حتى يلفت أعناقها فتشبه به الرجل المتكبر على الناس . وقال عمر بن جني الثعلبي واضافه المبرد إلى الفرزدق : @ وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من مثله فتقوما @@ قال ابو علي الفارسي : يجوز أن يكون تصعر وتصاعر بمعنى ، كقولهم ضعف وضاعف ، قال ابو الحسن ( لا تصاعر ) لغة اهل الحجاز و ( لا تصعر ) لغة بني تميم . والمعنى ولا تتكبر ، ولا تعرض عنهم تكبراً { ولا تمش في الأرض مرحاً } أي مشي مختال متكبر { إن الله لا يحب كل مختال فخور } فالاختيال مشية البطر ، قال مجاهد : المختال المتكبر ، والفخر ذكر المناقب للتطاول بها على السامع ، يقال : فخر يفخر فخراً وفاخره مفاخرة وفخاراً ، وتفاخرا تفاخراً وافتخر افتخاراً . ثم قال له { واقصد في مشيك } أي اجعل مشيك مشي قصد ، لا تمشي مشي مختال ولا متكبر { واغضض من صوتك } أي لا ترفع صوتك متطاولاً لانه مذموم { إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } قال الفراء : معناه إن اشد الأصوات . وقال غيره : معناه أقبح الأصوات - في قول مجاهد - كما يقال : هذا وجه منكر . ثم نبههم على وجوه نعم الله على خلقه . فقال { ألم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض } أي ذللـه لكم تتصرفون فيه بحسب ما تريدون من أنواع الحالات من الثمار والبهائم ، وغير ذلك { وأسبغ عليكم نعمه } ظاهرة أي وسع عليكم نعمه ، والسابغ الواسع الذي يفضل عن مقدار القوت . وقوله { ظاهرة وباطنة } أي من نعمه ما هو ظاهر لكم لا يمكنكم جحده : من خلقكم ، واحيائكم واقداركم ، وخلق الشهوة فيكم وضروب نعمه ، ومنها ما هو باطن مستور لا يعرفها إلا من أمعن النظر فيها وقيل : النعم الباطنة مصالح الدين والدنيا ، مما لا يشعرون به . وقيل : سخر لكم ما في السموات من شمس وقمر ونجم وسحاب ، وما في الارض من دابة وشجر وثمار ، وغير ذلك مما تنتفعون به في اقواتكم ومصالحكم . ثم قال تعالى { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم } اي يخاصم ولا علم له بما يقوله ، ويجادل فيه { ولا هدى } أي ولا حجة على صحة ما يقوله { ولا كتاب منير } أي ، ولا كتاب من عند الله منير أي ظاهر عليه نور وهدى .