Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 31-34)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
خمس آيات بصرى وشامي واربع فيما عداهما عدوا { مخلصين له الدين } ولم يعده الباقون . يقول الله تعالى مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين منبهاً لهم على جهات نعمه التي انعم بها عليهم وما يدلهم على انه يستحق العبادة خالصاً ، فقال { ألم تر } ومعناه الم تعلم { أن الفلك } وهي السفن تجري في البحر بنعمة الله عليكم { ليريكم من آياته } اي ليريكم بعض ادلته الدالة على وحدانيته ، ووجه الدلالة في ذلك ان الله تعالى يجري الفلك بالرياح التي يرسلها في الوجوه التي تريدون المسير فيها ، ولو اجتمع جميع الخلق ليجروا الفلك في بعض الجهات مخالفاً لجهة الرياح لما قدروا على ذلك . وفي ذلك اعظم دلالة على ان المجري لها بالرياح هو القادر الذى لا يعجزه شيء ، وذلك بعض الأدلة التي تدل على وحدانيته ، فلذلك قال { من آياته } ثم قال { إن في ذلك لآيات } يعني في تسخير الفلك وإجرائها في البحر على ما بيناه لدلالات { لكل صبار } يعني الصبار على مشاق التكليف . وعلى الم المصائب ، وأذى الكفار { شكور } لنعم الله عليهم واضاف الآيات اليهم لما كانوا هم المنتفعين بها ، وانما ذكر { كل صبار شكور } لأن الصبر عليه بأمر الله ، والشكر لنعم الله من افضل ما في المؤمن . وقال الشعبي : الصبر نصف الايمان ، والشكر نصف الايمان فكأنه قال : لكل مؤمن . ثم قال تعالى { وإذا غشيهم موج } يعني إذا غشي اصحاب السفن الراكبي البحر موج ، وهو هيجان البحر { كالظلل } اى الماء في ارتفاعه وتغطيته ما تحته كالظلل ، قال النابغة الجعدي : يصف البحر : @ يغاشيهن اخضر ذو ظلال على حافاته فلق الدنان @@ شبه الموج لأنه يجيء منه شيء بعد شيء بالسحاب الذي يركب بعضه فوق بعض ، ويكون اسوداً بما فيه من الماء { دعوا الله مخلصين له الدين } أي طاعة العبادة ، فالاخلاص إفراد المعنى من كل شائب كان من غيره ، أى يخلصون الدعاء في هذه الحال لله تعالى دون الأصنام وجميع ما يعبدونه من دون الله { فلما نجاهم } أي خلصهم إلى البر وسلمهم من هول البحر { فمنهم مقتصد } قال قتادة : يعني منهم مقتصد في قوله مضمر لكفره . وقال الحسن : المقتصد المؤمن . وقيل : مقتصد على طريقة مستقيمة { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور } فالختار الغدار بعهده أقبح الغدر ، وهو صاحب ختل وختر أي غدر قال عمرو ابن معدي كرب : @ فانك لو رأيت أبا عمير ملات يديك من غدر وختر @@ وقال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد : الختار الغدار ، ثم خاطب تعالى جميع المكلفين من الناس فقال { يا أيها الناس اتقوا ربكم } امرهم باجتناب معاصيه خوفاً من عقابه { واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده . … } يعني يوم القيامة الذي لا يغني فيه أحد عن احد ، لا والد عن ولده ولا ولد عن والده ، يقال : جزيت عنك أجزي إذا أغنيت عنك . وفيه لغة أخرى : أجزأ يجزئ من أجزأت بالهمزة . ثم قال { إن وعد الله حق } اي الذي وعدته من الثواب والعقاب حق لا خلف فيه { فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } قال مجاهد وقتادة والضحاك : الغرور الشيطان . وقال سعيد بن جبير : هو يمنيك المغفرة في عمل المعصية . قال ابو عبيدة : الغرور كل شيء غرك حتى تعصي الله ، وتترك ما أمرك به الله ، شيطاناً كان أو غيره ، فهو غرور . وهو أحسن ، لأنه أعم . ثم قال تعالى { إن الله عنده علم الساعة } يعني وقت قيام القيامة يعلمه تعالى لا يعلمه سواه { وينزل الغيث } أي وهو الذي يعلم وقت نزول الغيث بعينه وهو الذي { يعلم ما في الأرحام } من ذكر او أنثى { وما تدرى نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت } يقال : بأي ارض وبأية ارض . من قال : بأي ، فلأن تأنيث الأرض بالصيغة لا باللفظ . ومن قال : بأية ارض فلان الأرض مؤنثة . والمعنى انه لا يعلم موت الانسان في أي موضع من البلاد يكون سواه . وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله إن هذه الخمسة اشياء مما لا يعلمها غيره تعالى على التفصيل والتحقيق { إن الله عليم } بتفصيل ذلك { خبير } به لا يخفى عليه شيء من ذلك . وسأل البلخي نفسه ، فقال : إذا قلتم : إن من اعتقد الشيء على ما هو به تقليداً أو تخميناً أو تنجيماً يكون عالماً ، فلو أن إنساناً أعتقد ان امرأة تلد ذكراً او رجلا يموت في بلد بعينه او يكسب في الغد كذا ، فوافق ذلك اعتقداده ، فيجب ان يكون عالماً ، ويبطل الاختصاص في الآية ؟ ! وأجاب : إن ذلك وإن كان جائزاً ، فانه لا يقع لظاهر الآية . وهذا غير صحيح ، لان من المعلوم ضرورة أن الانسان يخبر شيئاً فيعتقده ، فيكون على ما اعتقده من هذه الاشياء الخمسة . وانما لا يكون علماً ، لانه لا تسكن نفسه إلى ذلك ، فأما المنع من وقوعه فمعلوم خلافه .