Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 16-20)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ { أخفي } باسكان الياء حمزة ويعقوب . الباقون - بفتح الياء - من سكن الياء جعله فعلا مستقبلا وحجته قراءة عبد الله { ما تخفي لهم } ومن فتح جعله فعلا ماضياً على ما لم يسم فاعله ، فعلى قراءة حمزة ( ما ) نصب مفعول به ، وعلى ما في القرآن إن موضع ( ما ) رفع بما لم يسم فاعله . والله فاعله و { قرة أعين } شيء أعده الله لعباده لم يطلعهم عليه في دنياهم ، كما قال النبي صلى الله عليه وآله " هو ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " وصف الله تعالى المؤمنين الذين ذكرهم في الآية الأولى في هذه الآية بأن قال : وهم الذين لا يستنكفون عن عبادته { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } أي يرتفعون عن مواضعهم التي ينامون عليها فالتجافي تعاطي الارتفاع عن الشيء ، ومثله النبو يقال جفا عنه يجفو جفاء إذا نبا عنه . وتجافى عنه يتجافى تجافياً ، واستجفاه استجفاء والمضجع موضع الاضجاع ، والاضطجاع هو القاء النفس { يدعون ربهم } أي داعين ربهم الذي خلقهم وأوجدهم { خوفاً } من عذابه يسألونه المغفرة { وطمعاً } في ثوابه . وانتصب { خوفاً ، وطمعاً } على انه مفعول له أي للخوف وللطمع { ومما رزقناهم ينفقون } في طاعة الله وسبيل ثوابه . ووجه المدح بذلك أن هؤلاء المؤمنين يقطعهم اشتغالهم بالدعاء لله عن طيب المضطجع لما يأملون به من الخير والبركة من الله تعالى ، لأن آمالهم مصروفة اليه ، واتكالهم في أمورهم عليه ، وقال الشاعر في التجافي : @ وصاحبي ذات هباب دمشق وابن ملاط متجاف ادفق @@ أي متنح عن كركرتها ، وقال أنس وقتادة : انه مدح قوماً كانوا يتنفلون بين المغرب والعشاء . وقال الضحاك : انهم كانوا يذكرون الله بالدعاء والتعظيم وقال قتادة : { خوفاً } من عذاب الله { وطمعاً } في رحمة الله { ومما رزقناهم ينفقون } في طاعة الله . وقال ابو جعفر ، وابو عبد الله عليهما السلام الآية متناولة لمن يقوم إلى صلاة الليل عن لذيذ مضجعه وقت السحر ، وبه قال معاذ والحسن ومجاهد . وقال عبد الله بن رواحة في صفة النبي صلى الله عليه وآله : @ يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع @@ ثم قال تعالى { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } تحتمل ( ما ) في قوله { ما أخفي } أن تكون بمعنى الذي ويكون موضعها النصب ، ويحتمل أن تكون بمعنى ( أن ) ويكون موضعها الرفع ، وتكون الجملة في موضع نصب ، والمعنى ليس يعلم أحد كنه ما أعد الله لهؤلاء المؤمنين الذين تقدم وصفهم من انواع اللذات والاشياء التي تقرّ أعينهم بها على كنه معرفتها . وقولهم قرت عيناه أي فرحها الله . لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينه ماء بارد من شؤونه . والباكي جزعاً يخرج من عينيه ماء سخن من الكبد ، ومنه قولهم : سخنت عينه - بكسر الخاء - { جزاء بما كانوا يعملون } من الطاعات في دار التكليف ، وانما نفى العلم عنهم مع أن المؤمن يعلم أنه مستحق للثواب ، لان العلم بالشيء يكون من وجهين : احدهما - ان يعلم الشيء على طريق الجملة ، وهو الذى يحصل للمؤمن في دار التكليف . والآخر - ان يحصل على طريق التفصيل ، وذلك موقوف على مشاهدتهم للثواب الذي يرونه عند زوال التكليف وحضور الثواب . ثم قال تعالى { أفمن كان مؤمناً } مصدقا بالله عارفاً به وبأنبيائه عاملا بما اوجبه الله عليه وندبه اليه { كمن كان فاسقاً } خارجاً عن طاعة الله بارتكاب معاصيه على وجه الانكار لذلك ، فلذلك جاء به على لفظ الاستفهام ، ثم اخبر تعالى بأنهم { لا يستوون } قط ، لان منزلة المؤمن الثواب وانواع اللذات ، ومنزلة الفاسق العذاب وفنون العقاب . ثم فسر ذلك بما قال بعده فقال { أما الذين آمنوا } بالله وصدقوه وصدقوا أنبياءه { وعملوا الصالحات } وهي الطاعات مع ذلك { فلهم جنات المأوى } فالمأوى المقام اي لهم هذه البساتين التي وعدهم الله بها يأوون اليها { نزلاً بما كانوا يعملون } أي في مواضع لهم ينزلون فيها مكافأة لهم على طاعاتهم التي عملوها . وقال الحسن : { نزلاً } أي عطاء نزلوه { وأما الذين فسقوا } بخروجهم عن طاعة الله إلى معاصيه { فمأواهم النار } يأوون اليها نعوذ بالله منها { كلما أرادوا أن يخرجوا منها } أي كلما كادوا وهموا بالخروج منها لما يلحقهم من العذاب { أعيدوا فيها } أي ردوا فيها وقال الحسن : كلما كادوا الخروج منها لانها ترميهم بلهبها ضربوا بمقامع حتى يعودوا فيها ، وقيل : لهم مع ذلك على وجه التقريع والتبكيت { ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } اي العذاب الذي كنتم به تجحدون في دار الدنيا ولا تصدقون به . وقال ابن ابي ليلى : نزلت الآية في رجل من قريش وعلي عليه السلام وقال غيره : إن هذه الآيات نزلت في علي ابن أبي طالب عليه السلام والوليد بن عقبة بن ابي معيط ، فالمؤمن المراد به علي عليه السلام والفاسق هو الوليد بن عقبة ، روي انه لقيه يوماً فقال لعلي : انا أبسط منك لساناً واحد منك سناناً ، فقال علي : عليه السلام ليس كما قلت يا فاسق . فنزل قوله { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً … } فقال قتادة : والله ما استووا ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا عند الموت .