Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 1-5)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
خمس آيات كوفي وأربع فيما عداه عدوا { الم } آية ولم يعدها الباقون . روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يقرأ في كل ليلة سورة السجدة { الم تنزيل } و { تبارك الذي بيده الملك } . و { تنزيل } رفع على انه خبر ابتداء محذوف ، وتقديره { الم } هو تنزيل . ويجوز أن يكون { تنزيل } رفعاً بالابتداء ، وخبره { لا ريب فيه } ذكره الزجاج . وقد تكرر القول بأن أوائل امثال هذه السور أقوى الأقوال فيها انها أسماء للسورة ، ورجحناه على غيره من الأقوال . والتلفظ بحروف الهجاء ينبغي ان يكون على الوقف ، لانها مبنية على السكون من حيث كانت حكاية للاصوات . وقوله { تنزيل الكتاب } أي هذه الآيات هي تنزيل الكتاب الذي وعدتم به { لا ريب فيه } أي لا شك فيه أنه وحي من الله . والمعنى أنه لا ريب فيه عند المهتدين ، وإن كان ارتاب به خلق من المبطلين . وهو مثل قول القائل : لا ريب في هذا انه ذهب أي عند من رآه واعتبره . وقيل : معنى { لا ريب فيه } خبر والمراد به النهي ، والمعنى لا ترتابوا به ، والريب الشك . وقيل : هو اقبح الشك . ووجوه الحكم في الكتاب البيان عن كل ما تدعو الحكمة إلى تميز الحق فيه من الباطل بالبرهان عليه مما يحتاج اليه في الدين الذي يرضى به رب العالمين ، وهو على وجهين : حجة ، وموعظة ، واعتماد الحجة على تبين ما يؤدي إلى العلم بصحة الأمر ، واعتماد الموعظة على الترغيب والترهيب ، وفي الموعظة من جهة التحذير بما تضمنه أي يقرب ما في السورة المسمى به من الحكم ، وفيه حجة على العبد من جهة انه قد دل به على ما يجب أنه يعتقد تعظيمه ويعمل به . وقوله { من رب العالمين } أي هو تنزيل من عند الله الذي خلق الخلائق . وقوله { أم يقولون افتراه } فهذه ( أم ) منقطعة ، ومعناها ( بل ) وتقديره : بل يقولون افتراه ، ففيها معنى ( بل ) والألف إذا كانت معادلة فمعناها ( او ) مع الاستفهام ، و ( افتراه ) معناه افتعله ، بل قال تعالى ليس الأمر على ما قالوه { بل هو الحق } من عند الله والحق هو كل شيء كان معتقده على ما هو به مما يدعو العقل اليه واستحقاق المدح عليه . وتعظيمه الكتاب حق ، لأن من اعتقد أنه من عند الله كان معتقده على ما هو به . والباطل نقيض الحق ، وهو ما كان معتقده لا على ما هو به . وقوله { بل هو الحق من ربك } فيه دلالة على بطلان مذهب المجبرة لان الله تعالى أنزله ليهتدي به الخلق لا ليضلوا به عن الدين ، والمجبرة تزعم انه أراد ضلال الكفار عن الدين فيجب كونه منزلا ليضل الكفار عن الدين . وقوله { لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك } لا ينافي قوله { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } لان الحسن ، قال : المعنى وإن من امة أهلكت بالعذاب إلا من بعد أن جاءهم نذير ينذرهم بما حل بهم . وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله يقول الله تعالى له { لتنذر } أي لتخوف يا محمد { قوماً } لم يأتهم مخوف قبلك ، يعني أهل الفترة من العرب ، فكانوا كأنهم في غفلة عما لزمهم من حق نعم الله وما خلقهم له من العبادة . وقد كان اسماعيل عليه السلام نذيراً لمن أرسل اليه . ثم قال { الله الذي خلق السماوات والأرض } أي اخترعهما وانشأها وخلق { ما بينهما في ستة أيام } أي في ما قدره ستة أيام ، لانه قبل خلق الشمس لم يكن ليل ولا نهار . وقوله { ثم استوى على العرش } أي استوى عليه بالقهر والاستعلاء ، وقد فسرناه في ما مضى ودخلت { ثم } على { استوى على العرش } وإن كان مستعلياً على الاشياء قبلها ، كما دخلت حتى في قوله { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } وتقديره ثم صح معنى استوى على العرش باحداثه ، وكذلك حتى يصح معنى { نعلم المجاهدين } أي معنى وصفهم بهذا وذلك لا يكون إلا بعد وجود الجهاد من جهتهم . وقوله { مالكم من دونه من وليّ ولا شفيع } نفي منه تعالى أن يكون للخلق ناصر ينصرهم من دون الله أو شفيع يشفع لهم ، كما كانوا يقولون : نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى . ثم قال { أفلا تتذكرون } في ما قلناه وتعتبرون به ، فتعلموا صحة ما بيناه لكم . وقوله { يدبرّ الأمر من السماء إلى الأرض } معناه ان الذي خلق السموات والارض وما بينهما في هذه المدة يدّبر الامور كلها ، ويقدرها على حسب إرادته في ما بين السماء والارض ، وينزله مع الملك إلى الارض { ثم يعرج إليه } يعني الملك يصعد إلى المكان الذي أمره الله تعالى أن يعرج اليه ، كما قال ابراهيم : { إني ذاهب إلى ربي } أي ارض الشام التي امرني ربي . ولم يكن الله بأرض الشام ، ومثله قوله تعالى { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله } يريد إلى المدينة . ولم يكن الله في المدينة . وقوله { في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون } قال ابن عباس ، والضحاك : معناه يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة مما يعده البشر . وقيل : معناه خمس مئة عام نزول وخمس مئة عام صعود ، فذلك ألف سنة . وقال قوم : يجوز ان يكون يوم القيامة يوماً له اول وليس له آخر . وقته اوقاتاً يسمى بعضها الف سنة وبعضها خمسين الف سنة . وقيل : ان معنى { وإن يوماً عند ربك كألف سنة } انه فعل في يوم واحد من الأيام الستة التي خلق فيها السموات والارض ما لو كان يجوز أن يفعله غيره لما فعله إلا في الف سنة . وقيل : ان معناه إن كل يوم من الأيام الستة التي خلق فيها السموات كألف سنة من أيام الدنيا .