Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 26-30)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراء كلهم على الياء في قوله { أولم يهد لهم } بمعني اولم يهد إهلاكنا لهم لمن مضى من القرون . وقرئ بالنون بمعنى الاخبار عن الله تعالى أنه الذي بين لهم هلاك الماضين وأرشدهم بذلك إلى الحق وأتباعه ، فاضافه إلى نفسه . يقول الله تعالى منبهاً لخلقة على وجه الاعتبار بحججه { أولم يهد لهم } ومعناه او لم يبصرهم ويرشدهم من غوايتهم ، يقال : هداه يهديه في الدين هدى ، وهدي إلى الطريق هداية ، واهتدى إذا قبل الهداية . والواجب من الهدى : هو ما يؤدي إلى ما ليس للعبد عنه غنى في دينه ، فاللطف على هذا هدى . والنظر المؤدي إلى معرفة الله هدى . وفاعل { يهد } مضمر فيه ؛ وتقديره أو لم يهد لهم إهلاكنا من أهلكناهم من القرون الماضية جزاء على كفرهم بالله وإرتكابهم لمعاصيه ، ولا يجوز أن يكون فاعل { يهد } { كم } في قوله { كم أهلكنا } لان { كم } لا يعمل فيها ما قبلها إلا حروف الاضافة ، لانها على تقدير الاستفهام الذي له صدر الكلام ، واجاز الفراء أن يكون فاعل { يهد } { كم } ولم يجزه البصريون . وقوله { يمشون في مساكنهم } اي أهلكناهم بغتة وهم متشاغلين بنفوسهم ويمشون في منازلهم . ثم قال { إن في ذلك لآيات } أي لحججاً واضحات { أفلا يسمعون } ومعناه أفلا يتدبرون ما يسمعونه من هذه الآيات ، لان من لا يتدبر ما يسمعه ، ولا يفكر فيه . فكأنه لم يسمعه . ثم نبههم على وجه آخر فقال { أولم يروا } ومعناه او لم يعلموا { أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم } فالسوق الحث على السير ، ساقه يسوقه سوقاً ، فهو سائق ، يقول الله تعالى نسوق ماء المطر إلى هذه الأرض الجرز ، فننبت به ضروباً من النبات الذي يتغذى به الانسان والانعام وغيرهم والارض الجرز هي الأرض اليابسة التي ليس فيها نبات ، انقطع ذلك لانقطاع الامطار ، وهو مشتق من قولهم : سيف جراز أي قطاع ، لا يلقى على شيء إلا قطعه وناقة جراز ، إذا كانت تأكل كل شيء لأنها لا تبقي شيئاً إلا قطعته بفيها وأرض جروز ، وهي التي لا تبقي على ظهرها شيئاً إلا أهلكته ، كالناقة الجراز ورجل جروز أكول ، قال الراجز : @ خب جروز إذا جاع بكا [ يأكل التمر ولا يلقي النوى ] @@ وفيه أربع لغات أرض جرز - بضم الجيم والراء ، وبضم الجيم واسكان الراء وبفتح الجيم والراء ، وبفتح الجيم واسكان الراء . وقال ابن عباس { نسوق الماء } بالسيول ، لانها مواضع عالية ، قال وهي : قرى بين اليمن والشام . ثم قال { أفلا يبصرون } بأن يفكروا في ذلك فيدلهم على انه لا يقدر على ذلك أحد غير الله الذي لا شريك له . ثم حكى عنهم أنهم { يقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين } مستعجلين لما وعد الله تعالى من الفصل بينهم في قوله { إن ربك هو يفصل بينهم } يعنون متى يجيء فتح الحكم بينا وبينكم في الثواب والعقاب ، والفتح القضاء والحكم ، وقيل : انه أراد به فتح مكة ، فعلى هذا قوله { يوم الفتح } يوم فتح مكة { لا ينفع الذين كفروا إيمانهم } لا يليق به . وقيل : لا ينفع الذين قبلهم خلد - من بني كنانة - ايمانهم . والتأويل هو الأول ، فقال الله تعالى لنبيه محمد { قل } لهم يا محمد { يوم الفتح } أي يوم القضاء والفصل . وقال مجاهد : يوم القيامة { لا ينفع الذين كفروا } بآيات الله { إيمانهم } لان التكليف قد زال عنهم ، ومعارفهم تحصل ضرورة { ولا هم ينظرون } أي ولا يؤخرون ايضاً ، فلا ينبغي ان يستعجلوا مجيئه . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { فأعرض عنهم } يا محمد ، فانه لا ينفع فيهم الدعاء والوعظ . وقيل : كان ذلك قبل أن يؤمر بالجهاد . وقيل : أعرض عن أذاهم { وانتظر } حكم الله تعالى فيهم وإهلاكه لهم { فإنهم منتظرون } أيضاً الموت الذي يؤديهم إلى ذلك . وقيل : انه سيأتيهم ذلك ، فكأنهم كانوا ينتظرونه .