Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 16-20)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما اخبر الله تعالى عن المنافقين الذين استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله في الرجوع واعتلوا بأن بيوتهم يخاف عليها ، وكذبهم الله في ذلك ، وبين أنهم يريدون الهرب ، قال لنبيه صلى الله عليه وآله { قل } لهم { لن ينفعكم الفرار إن فررتم } يعني الهرب إن هربتم { من الموت أو القتل } فانه لابد من واحد منهما ، وإن هربتم وبقيتم بعده فلا تبقون { ولا تتمتعون إلا قليلاً } من الزمان . ثم لا بد من الموت . والفرار الذهاب عن الشيء خوفاً منه ، ومثله الهرب ، فرّ يفر فراراً وأفتر إذا باعد بين شفتيه كتباعد الفار ، وانما فرق الله بين الموت والقتل لأن القتل غير الموت ، فالقتل نقض بينة الحي ، والموت ضد الحياة عند من أثبته معنى ، والقتل يقدر عليه غير الله ، وانما رفع بعد ( اذن ) لوقوع ( اذن ) بين الواو والفعل ، فصارت بمنزلة ما لم يقع بعده الفعل ، كقولك أنا آتيك اذن لانه مما يجوز فيه الالغاء بأنه يصح الاستدراك ، كالاستدراك بالظن ، وقد اعملت بعد ( ان ) في قوله : @ لا تتركني فيهم شطيراً إني اذن أهلك او اطيرا @@ ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله قل لهم يا محمد من الذي يمنعكم من الله ان اراد أن يفعل بكم سوءاً يعني عذاباً أو اراد بكم رحمة ، فان احداً لا يقدر على منعه مما يريد الله فعله به { ولا يجدون } هؤلاء { لهم من دون الله ولياً } ينصرهم { ولا نصيراً } يدفع عنهم ، ثم قال تعالى { قد يعلم الله المعوقين منكم } يعني الذين يعوقون غيرهم عن القتال ويثبطونهم عنه ، فالتعويق التثبيط والشغل للقعود عن أمر من الأمور ، فكأن هؤلاء يدعون اخوانهم من المنافقين إلى القعود عن الجهاد ويشغلونهم لينصرفوا عنه { والقائلين لإخوانهم هلموا إلينا } أي يعلم القائلين لهم تعالوا { ولا يأتون البأس } يعني الحرب { إلا قليلاً } أي ان يكلفوا الحضور إلى القتال فلا يحضرون إلا قدر ما يوهمون أنهم معكم ، ولا يقاتلون معكم ، فهو تعالى عالم بأحوال هؤلاء ، لا يخفى عليه شيء منها . ثم قال { أشحة عليكم } بالغنيمة والنفقة في سبيل الله - في قول قتادة : ومجاهد - ونصبه على تقدير يأتونه أشحة وإن شئت على الذم . وقال ابن اسحاق { أشحة عليكم } بالضغن الذي في أنفسهم ، فهو نصب على الحال - في قول الزجاج - وفي قول غيره على المصدر ، وتقديره يشحون عليكم اشحة { فإذا جاء الخوف } يعني الفزع { رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت } يعني من شدة ما يخافون يلحقهم مثل ما يلحق من شارف الموت وأحواله ، ويغشى عليه { فإذا ذهب الخوف } والفزع { سلقوكم بألسنة حداد } أي خصموكم طلباً للغنيمة أشد مخاصمة . وقال الحسن : سلقوكم حاوروكم يقال : خطيب مصقع ومسلق أي بليغ في الخطابة فصيح فيها { أشحة على الخير } يعني الغنيمة . ثم قال { أولئك } يعني من تقدم وصفه { لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم } يعني نفع أعمالهم على وجوه لا يستحق عليها الثواب لانهم لا يقصدون بها وجه الله . ثم قال { وكان ذلك } يعني احباط اعمالهم . وقيل : وكان نفاقهم { على الله يسيراً } قليلا . ثم وصف هؤلاء المنافقين الذين تقدم ذكرهم بالجبن ، فقال { يحسبون الأحزاب } الذين انهزموا ورجعوا من شدة فزعهم انهم { لم يذهبوا } بعد . وقيل : لفرط جهلهم يعتقدون انهم لم يذهبوا بعد { وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } أي وإن جاؤا الاحزاب تمنوا أن يكونوا في البوادي مع الاعراب { يسألون عن أنبائكم } أي أخباركم ولا يكونون معكم فيتربصون بكم الدوائر ويتوقعون الهلاك . ثم قال لنبيه { ولو كانوا } يعني هؤلاء المنافقون معكم { وفيكم ما قاتلوا إلا قليلاً } أي قدراً يسيراً ليوهموا أنهم في جملتكم ، لا لينصروكم ويجاهدوا معكم . وقال عاصم الجحدري : يساءلون عن انبائكم بتشديد السين بمعنى يتساءلون ، فيسأل بعضهم بعضاً ، وهو شاذ لا يقرأ به . وقرأ طلحة بن مصرف { يودوا لو أنهم بدى في الأعراب } جمع باد ، مثل غاز وغزى ، وهي أيضاً شاذة لا يقرء بها . و ( هلم ) بمعنى أقبل واهل الحجاز يقولون للواحد والاثنين والجمع والانثى ( هلم ) بلفظ واحد ، وانما هي ( لم ) ضمت اليها ( ها ) التي للتنبيه ، ثم حذفت الألف من ( ها ) إذ صارا شيئاً واحداً ، كقولهم ( ويلمه ) واصله ( ويل أمه ) فلما جعلوهما شيئاً واحداً حذفوا ، وغيروا . وأما بنوا تميم فيصرفونه تصريف الفعل ، فيقولون : هلم يا رجل وهلما يا رجلان ، وهلموا يا رجال وهلمي يا امرأة وهلميا يا امرأتان ، وهلممن يا نساء ، إلا انهم يفتحون آخر الواحد البتة ، فيقولون : هلم يا رجل وهلم يا مرأة .