Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 11-15)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ حفص عن عاصم { لا مقام } بضم الميم اى لا إقامة لكم . الباقون - بفتح الميم - يعني لا موضع لكم تقومون فيه . وقرأ ابن كثير ونافع وابو جعفر وابن عامر { لأتوها } قصراً بمعنى لجاؤها . الباقون بالمد ، يعني لأعطوها . وقالوا : هو أليق بقوله { ثم سئلوا الفتنة } لان العطاء يطابق سؤال السائل . لما وصف الله تعالى شدة الأمر يوم الخندق ، وخوف الناس وأن القلوب بلغت الحناجر من الرعب . قال { هنالك ابتلي المؤمنون } أي اختبروا ليظهر بذلك حسن نياتهم وصبرهم على ما أمرهم الله به من جهاد اعدائه و ( هنا ) للقريب من المكان و ( هنالك ) للبعيد منه ، و ( هناك ) للمتوسط بين القريب والبعيد وسبيله سبيل ( ذا . وذاك وذلك ) . والابتلاء إظهار ما في النفس من خير او شر ، ومثله الاختبار والامتحان والبلاء النعمة ، لاظهار الخير على صاحبه ، والبلاء النقمة لاظهار الشر عليه . وقوله { وزلزلوا زلزالاً شديداً } معناه وحركوا بهذا الامتحان تحريكا عظيماً ، فالزلزال الاضطراب العظيم ومنه قوله { إذا زلزلت الأرض زلزالها } والزلزلة اضطراب الأرض . وقيل : انه مضاعف زل ، وزلزله غيره . والشدة قوة تدرك بالحاسة ، لأن القوة التي هي القدرة لا تدرك بالحاسة ، وانما تعلم بالدلالة ، فلذلك يوصف تعالى بأنه قوي ، ولا يوصف بأنه شديد . ثم قال واذكر يا محمد { إذ يقول المنافقون } الذين باطنهم الكفر وظاهرهم الايمان { والذين في قلوبهم مرض } أي شك من الايمان بالله ورسوله { ما وعدنا الله ورسوله } اي لم يعدنا الله ورسوله من الظفر والظهور على الدين { إلا غروراً } وقيل : ان النبي صلى الله عليه وآله بشرهم بأنه يفتح عليهم مدائن كسرى وبلاد قيصر وغير ذلك من الفتوح ، فقالوا : يعدنا بهذا ، والواحد منا لا يقدر على ان يخرج ليقضي حاجة { ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } غرانا به ، فالغرور ايهام المحبوب بالمكر ، يقال : غره يغره غروراً ، فهو غار ، والغرور الشيطان قال الحارث بن حلزة : @ لم يغروكم غروراً ولكن يرفع الآل جمعهم والضحاء @@ وقال يزيد بن رومان : الذي قال هذا القول معتب بن قشيرة وقال العتابي : ليس عاقل يقول : إن الله وعده غروراً ، لكنهم لما كذبوا رسوله وشكوا في خبره ، فكانهم كذبوا الله ، وإذا نسبوا الرسول بأنه غرهم ، فقد نسبوا الله إلى ذلك في المعنى ، وإن لم يصرحوا به . ثم قال واذكر يا محمد { إذ قالت طائفة منهم } يعني من المنافقين { يا أهل يثرب } أي يا اهل المدينة ، قيل : ان يثرب اسم ارض المدينة . وقال ابو عبيدة : إن مدينة الرسول في ناحية من يثرب . وقيل : يثرب هي المدينة نفسها { لا مقام لكم } أي ليس لكم مكان تقومون فيه للقتال . ومن ضم أراد : لا إقامة لكم - ذكره الاخفش - وقال يزيد بن رومان : القائل لذلك أوس بن قبطي . ومن وافقه على رأيه { فارجعوا } اي امرهم بالرجوع إلى منازلهم . وحكى ان جماعة منهم جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وآله فاستأذنوه للرجوع . وقالوا { إن بيوتنا عورة } أي هي مكشوفة نخشى عليها السرق - ذكره ابن عباس ومجاهد - فكذبهم الله تعالى في قوله { وما هي بعورة … } وليس يريدون بهذا القول إلا الفرار ، والهرب من القتال . ثم قال { ولو دخلت عليهم من أقطارها } اي من نواحيها يعني المدينة او البيوت ، فهو جمع قطر ، وهو الناحية { ثم سئلوا الفتنة } يعني الكفر والضلال وقيل : انهم لو دعوا إلى القتال على وجه الحمية والعصبية لجاؤا إليها - على قراءة من قصر - ومن مد اراد لأعطوا ما سئلوا إعطاءه من ذلك { وما تلبثوا بها إلا يسيراً } قال الفراء : وما تلبثوا بالمدينة إلا قليلا حتى يهلكوا . وقال قتادة : معناه وما احتبسوا عن الاجابة إلى الكفر إلا قليلا . ثم قال { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل } يعني عندما بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وحلفوا له انهم ينصرونه ويدفعون عنه ، كما يدفعون عن نفوسهم ، وانهم { لا يولون الأدبار } اي لا يفرون من الزحف { وكان عهد الله مسئولاً } يعني العهد الذي عاهدوا الله عليه ، وحلفوا له به يسألهم عن الوفاء به يوم القيامة .