Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن كثير وابو عمرو ، ونافع وأبو جعفر { اللاء } بهمزة ليس بعدها ياء ، إلا أن ابا عمرو لين الهمزة . وقرأ ابن عامر واهل الكوفة بهمزة بعدها ياء ، وقرأ { تظهرون } بفتح التاء مشددة الظاء بغير ألف - ابن كثير ونافع وابو عمرو - وقرأ عاصم إلا الكسائي عنه { تظاهرون } بضم التاء خفيفة الظاء والف بعدها . وقرأ ابن عامر بتشديد الظاء والألف وفتح التاء . فمن قرأ { تظاهرون } بتشديد الظاء اراد تتظاهرون ، فأدغم احدى التاءين في الظاء . ومن قرأ بغير الف مشدداً اراد تتظهرون ، وادغم احدى التاءين في الظاء ، وعاصم جعل الفعل بين اثنين . فقال { تظاهرون } بضم التاء وتخفيف الظاء مع الالف . وقرأ ابو عمرو { بما يعملون خبيراً } و { بما يعملون بصيراً } بالياء فيهما . الباقون بالتاء . وجه قراءة أبي عمرو قوله { ولا تطع الكافرين والمنافقين } بأن الله يعلم ما يفعلونه ، فيجازيهم بحسبه ، ووجه التاء الخطاب لهم . هذا خطاب من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به جميع الأمة كما قال { يا أيها النبي إذا طلقتم } فخصه بالخطاب ، وأراد به جميع المكلفين ، يأمرهم الله بتقواه ، وتجنب معاصيه ، وفعل طاعاته ، فنهاهم عن طاعة الكافرين الذين يجحدون نعم الله ويتخذون معه إلهاً سواه ، ومثل ذلك نهاه عن طاعة المنافقين ومتابعتهم لما يريدونه . وسبب نزول الآية أن أبا سفيان وجماعة من الكفار قدموا على النبي صلى الله عليه وآله المدينة ، ودعوه إلى اشياء عرضوها عليه ، فأراد المسلمون قتلهم . فأنزل الله سبحانه { يا أيها النبي اتق الله } في نقض العهد ، وقتل هؤلاء الكفار { ولا تطع الكافرين } في ما يدعونك اليه ولا { المنافقين } في قتلهم ونقض العهد . والمنافق هو الذي يظهر الايمان ويبطن الكفر ، والكافر هو الذي يظهر الكفر ويبطنه . ثم قال { إن الله كان عليماً حكيماً } في ما يوحيه اليك من أمرهم ويامرك بالطاعة وترك المعصية في متابعتهم في ما يريدونه ولما نهاهم عن متابعة الكفار والمنافقين قال { واتبع ما يوحى إليك من ربك } امره ان يتبع الذي يوحي الله اليه من أمره ونهيه ، فعلى موجب هذه الآية لا يجوز لأحد أن يطيع الكفار والمنافقين ، وإن دعوهم إلى الحق ، ولكن يفعل الحق ، لأنه حق لا لأجل دعائهم اليه { إن الله كان بما تعملون خبيراً } تهديداً لهم ، لأن المراد أنه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم فيجازيكم بحسبها إن كان سوءاً عاقبكم ، وإن كان طاعة أثابكم عليها . ومن قرأ - بالياء - أراد الاخبار عن الكفار والخطاب متوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله . ومن قرأ - بالتاء - خاطب الجميع . ثم أمر النبي صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين فقال { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً } أمرهم ان يتوكلوا على الله ويفوضوا أمورهم اليه ، فان الله تعالى كاف في ما يوكل اليه . و ( الوكيل ) القائم بالتدبير لغيره بدعاء من له ذلك اليه ، فالحكمة تدعو إلى أن الله تعالى القائم بتدبير عباده ، فهو وكيل عليهم من أوكد الوجوه . ثم قال تعالى { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } قال ابن عباس : كان المنافقون يقولون : لمحمد قلبان ، فاكذبهم الله . وقال مجاهد وقتادة ، وهو في رواية عن ابن عباس : أنه كان رجل من قريش يدعى ذا القلبين من دهائه وهو أبو معمر جميل بن اسد ، فنزلت هذه الآية فيه . وقال الحسن : كان رجل يقول : لي نفس تأمرني ونفس تنهاني ، فأنزل الله فيه هذه الآية . وقال الزهري : هو مثل في ان هذا ممتنع كامتناع أن يكون ابن غيرك ابنك . وروي عن جعفر الصادق عليه السلام أنه قال : ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه يحب بهذا قوماً ويحب بهذا اعداءهم . ولا يمكن أن يكون لانسان واحد قلبان في جوفه ، لأنه كان يمكن أن يوصل إنسانان فيجعلان إنساناً واحداً ، وقد يمكن أن يوصلا بما لا يخرجهما عن أن يكونا انسانين ، وليس ذلك إلا من جهة القلب الواحد أن القلبين ، لانه إذا جعل لهما قلبان يريد أحدهما بقلبه ما لا يريده الآخر ويشتهي ما لا يشتهي الآخر ، ويعلم ما لا يعلم الآخر فهما حيان لا محالة ، وليسا حياً واحداً . وقال الرماني : لا يجوز أن توجد الارادة والمعرفة في جزئين من القلب او أجزاء وانما يصح أن توجد في جزء واحد ، قال : لان ما يوجد في جزئين بمنزلة ما يوجد في قلبين ، وقد بطل أن يكون لانسان واحد قلبان . وهذا الذي ذكره ليس بصحيح ، لانه لا يمتنع أن يوجد معنيان مختلفان في جزئين من القلب ، لانهما وإن وجدا في جزئين فالحالان الصادران عنهما يرجعان إلى الجملة وهي جملة واحدة وليسا يوجبان الصفة للمحل الواحد فيتنافى ، فعلى هذا لا يجوز أن يوجد في جزئين من القلب معنيان ضدان ، لاستحالة اجتماع معناهما في الحي الواحد ، ويجوز أن يوجد معنيان مختلفان او مثلان في جزئين من القلب ويوجبان الصفتين للحي الواحد ، وعلى هذا القياس ليس يمتنع ان يوجد قلبان في جوف واحد إذا كان ما يوجد فيهما يرجع إلى حي واحد ، وانما المتنافي أن يرجع ما يوجد منهما إلى حيين ، وذلك محال . وقوله { وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم } أي ليس نساؤكم وأزواجكم إذا قلتم لهن أنتن علي كظهر أمي يصرن أمهاتكم على الحقيقة لان أمهاتكم على الحقيقة هن اللائي ولدنكم وأرضعنكم . وقال قتادة : إذا قال لزوجته أنت علي كظهر أمي ، فهو مظاهر ، وعليه الكفارة . وعندنا إن الظهار لا يقع إلا ان تكون المرأة طاهراً ، ولم يقربها في ذلك الطهر بجماع ، ويحضر شاهدان رجلان مسلمان ، ثم يقول لها أنت علي كظهر أمي ، ويقصد التحريم . فاذا قال ذلك حرم عليها وحرمت عليه أن يطأها حتى يكفر . وإن اختل شيء من شرائطه ، فلا يقع ظهار أصلاً . وقوله { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } قال قتادة ومجاهد وابن زيد : نزلت في زيد بن حارثة ، فانه كان يدعى ابن رسول الله ، والادعياء جمع دعي ، وهو الذي تبناه الانسان . وبين الله تعالى أن ذلك ليس بابن على الحقيقة ، ولذلك قال في آية أخرى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } وقوله { ذلكم قولكم بأفواهكم } يعني أن قولكم في الدعي أنه ابن الرجل قول تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له عند الله . ثم قال { والله يقول الحق } في ما يبينه { وهو يهدي السبيل } يعني طريق الحق الذي يفضي بكم إلى الثواب . ثم أمر المكلفين بأن يدعوا الادعياء { لآبائهم } الذين ولدوهم وينسبونهم اليهم أو إلى من ولدوا على فراشهم { أقسط } أي ، فان ذلك اعدل عند الله ، واقسط بمعنى أعدل { فإن لم تعلموا آباءهم } ولا تعرفوهم باعيانهم فهم { إخوانكم في الدين } أي في الملة فادعوهم بذلك { ومواليكم } أي بنو عمكم او لكم ولاءهم إذا كنتم اعتقمتموهم من رق . ثم قال { وليس عليكم جناح } اي حرج { في ما أخطأتم به } فنسبتموه إلى من انتمي اليه وإن الله لا يؤاخذكم به { ولكن ما تعمدت قلوبكم } فقصدتموه من ذلك واردتموه هو الذي تؤاخذون به ، وموضع ( ما ) جر ، تقديره ولكن في ما تعمدت قلوبكم { وكان الله غفوراً رحيماً } يغفر لكم ما لم تتعمدوا من ذلك ، ويستره عليكم ويرحمكم بترك مؤاخذتكم به .