Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 36-40)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ اهل الكوفة { أن يكون لهم الخيرة } بالياء ، لان التأنيث غير حقيقي . الباقون بالتاء لتأنيث الخيرة . والخيرة جمع خير وحكي خيرة بفتح الياء وسكونها وقرأ عاصم { وخاتم } بفتح التاء . الباقون بكسرها . وهو الأقوى ، لأنه مشتق من ختم ، فهو خاتم . وقال الحسن : خاتم وهو الذي ختم به الانبياء . وقيل : هما لغتان - فتح التاء وكسرها - وفيه لغة ثالثة ( خاتام ) وقرئ به في الشواذ . وحكي ايضاً ( ختام ) . وروي عن ابن عباس ، وذهب اليه مجاهد ، وقتادة أنه نزل قوله { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة … } الآية ، في زينب بنت جحش ، لما خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله لزيد بن حارثة فامتنعت لنسبها من قريش وإن زيداً كان عبداً ، فأنزل الله الآية فرضيت به . وقال ابن زيد : نزلت في أم كلثوم بنت عقبة ابن ابي معيط ، وكانت وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وآله فزوجها زيد بن حارثة . بين الله تعالى في هذه الآية انه لم يكن { لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً } بمعنى إلزاماً وحكما { أن يكون لهم الخيرة } اي ليس لهم ان يتخيروا مع امر الله بشيء يترك به ما امر به إلى ما لم يأذن فيه . والخيرة إرادة اختيار الشيء على غيره . وفي ذلك دلالة على فساد مذهب المجبرة في القضاء والقدر ، لأنه لو كان الله تعالى قضى المعاصي لم يكن لأحد الخيرة ، ولوجب عليه الوفاء به . ومن خالف في ذلك كان عاصياً ، وذلك خلاف الاجماع . ثم قال { ومن يعص الله ورسوله } في ما قضيا به وامرا به وخالفهما { فقد ضل } عن الحق وخاب عنه { ضلالاً مبيناً } أي ظاهراً . ثم خاطب النبي صلى الله عليه وآله فقال واذكر يا محمد حين { تقول للذي أنعم الله عليه } يعني بالهداية إلى الايمان { وأنعمت عليه } بالعتق { أمسك عليك زوجك } اي احبسها ، ولا تطلقها ، لأن زيداً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله مخاصما زوجته زينب بنت جحش على ان يطلقها ، فوعظه النبي صلى الله عليه وآله ، وقال له : لا تطلقها وامسكها { واتق الله } في مفارقتها { وتخفي في نفسك ما الله مبديه } فالذي اخفى في نفسه انه إن طلقها زيد تزوجها وخشي من إظهار هذا للناس ، وكان الله تعالى امره بتزوجها إذا طلقها زيد ، فقال الله تعالى له ان تركت إظهار هذا خشية الناس فترك اضماره خشية الله احق وأولى . وقال الحسن : معناه وتخشى عيب الناس . وروي عن عائشة انها قالت لو كتم رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً من الوحي لكتم { وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } وقيل : إن زيداً لما جاء مخاصماً زوجته ، فرآها النبي صلى الله عليه وآله استحسنها وتمنى ان يفارقها زيد حتى يتزوجها ، فكتم . قال البلخي : وهذا جائز ، لأن هذا التمني هو ما طبع الله عليه البشر ، فلا شيء على احد إذا تمنى شيئاً استحسنه . ثم قال تعالى { فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها } فالوطر الارب والحاجة وقضاء الشهوة يقال : لي في هذا وطر ، أي حاجة وشهوة ، قال الشاعر : @ ودعني قبل ان اودعه لما قضى من شبابنا وطرا @@ وقال آخر : @ وكيف ثواي بالمدينة بعد ما قضى وطراً منها جميل بن معمر @@ وقوله { زوجناكها } يعني لما طلق زيد إمرأته زينب بنت جحش اذن الله تعالى لنبيه في تزويجها ، واراد بذلك نسخ ما كان عليه اهل الجاهلية من تحريم زوجة الدعي على ما بيناه ، وهو قوله { لكي لا يكون على المؤمنين حرج } اي اثم في أزواج ادعيائهم أن يتزوجوهن { إذا قضوا } الادعياء { منهن وطراً } وفارقوهن ، فبين الله تعالى ان الغرض بهذا ان لا يكون المتبنى به إذا طلق المرأة يجري مجرى تحريم إمراة الابن إذا طلقت او مات عنها الابن . وقوله { وكان أمر الله مفعولاً } معناه وكان تزويج النبي صلى الله عليه وآله زينب بنت جحش كائناً لا محالة . واستدل بقوله { وكان أمر الله مفعولاً } على حدوث كلام الله ، لأن الله تعالى قص كلامه . وقد بين أنه مفعول ، والمفعول والمحدث واحد . ثم قال تعالى { ما كان على النبي من حرج في ما فرض الله له } أي لم يكن عليه إثم في ما قدره الله أن يتزوج زينب بنت جحش التي كانت زوجة زيد ، وإن كان دعياً له ، وفي جمعه بين التسع . وقال { سنة الله في الذين خلوا من قبل } أي ما أمرنا به محمداً من هذه السنن والعادات مثل سنة من تقدم من الانبياء ، وما أمرهم الله تعالى به . لأنه تعالى أباح لكل نبي شيئاً خصه به ورفع به شأنه من بين سائر الامم { وكان أمر الله قدراً مقدوراً } فالقدر المقدور هو ما كان على مقدار ما تقدم من غير زيادة ولا نقصان ، قال الشاعر : @ واعلم بان ذا الجلال قد قدر في الصحف الاولى التي كان سطر @@ وقوله { الذين يبلغون رسالات الله } ولا يكتمونها بل يؤدونها إلى من بعثوا اليهم { ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله } أي لا يخافون سوى الله احداً وقوله { وكفى بالله حسيباً } أي كافياً ومجازياً . ثم قال { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } نزلت في زيد بن حارثة لأنهم كانوا يسمونه : زيد بن محمد ، فبين الله تعالى ان النبي ليس بـ ( أب احد ) منهم من الرجال وإنما هو ابو القاسم والطيب والمطهر وإبراهيم ، وكلهم درجوا في الصغر . ذكره قتادة . ثم قال { ولكن } كان { رسول الله } ونصب باضمار { كان } وتقديره ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وآله ، وروى عبد الوارث عن ابي عمرو { ولكن } بالتشديد { رسول الله } نصب بـ { لكن } { وخاتم النبيين } أي آخرهم ، لأنه لا نبي بعده إلى يوم القيامة { وكان الله بكل شيء عليماً } أي عالماً لا يخفى عليه شيء مما يصلح العباد . وقيل إنما ذكر { وخاتم النبيين } ها هنا ، لان المعنى أن من لا يصلح بهذا النبي الذي هو آخر الانبياء ، فهو مأيوس من صلاحه من حيث انه ليس بعده نبي يصلح به الخلق . ومن استدل بهذه الآية ، وهي قوله { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } على انه لم يكن الحسن والحسين عليهما السلام ابنيه ، فقد أبعد ، لان الحسن والحسين كانا طفلين ، كما انه كان أبا إبراهيم وإنما بقي أن لا يكون أباً للرجال البالغين .