Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 41-48)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين المصدقين بوحدانيته المقرين بصدق أنبيائه ، يأمرهم بأن يذكروا الله ذكراً كثيراً ، والذكر الكثير أن نذكره بصفاته التي يختص بها ، ولا يشاركه فيها غيره ، وننزهه عما لا يليق به . وروي في اخبارنا أن من قال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر ثلاثين مرة ، فقد ذكر الله كثيراً ، وكل صفة لله تعالى فهى صفة تعظيم ، وإذا ذكر بأنه شيء وجب أن يقال : إنه شيء لا كالأشياء ، وكذلك احد ليس كمثله شيء وكذلك القديم هو الأول قبل كل شيء ، والباقي بعد فناء كل شيء . ولا يجوز أن يذكر بفعل ليس فيه تعظيم ، لان جميع ما يفعله يستحق به الحمد والوصف بالجميل على جهة التعظيم ، مثل الذكر بالغنى والكرم بما يوجب اتساع النعم ، والذكر احضار معنى الصفة للنفس إما بايجاد المعنى في النفس ابتداء من غير طلب . والآخر بالطلب من جهة الفكر . والذكر قد يجامع العلم ، وقد يجامع الشك . والعلم لا يجامع الشك في الشيء على وجه واحد . والذكر أيضاً يضاد السهو ، ولا يضاد الشك ، كما يضاده العلم . وقوله { وسبحوه بكرة وأصيلاً } أمر لهم بأن ينزهوا الله تعالى عن كل قبيح وجميع ما لا يليق به ، بالغداة والعشي : قال قتادة : يعني صلاة الغداة وصلاة العصر ، والاصيل العشي وجمعه أصائل ، ويقال اصل وآصال ، وهو اصل الليل أي اوله ومبدؤه ، وقوله { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } يترحم عليكم بايجاب الرحمه ، ويصلي عليكم الملائكة بالدعاء والاستغفار ، فالأول كالدعاء ، والثاني دعاء . وقيل : معناه يثني عليكم بطريقة الدعاء ، كقوله عليك رحمتي ومغفرتي . وقيل : معناه هو الذي يوجب عليكم الصلاة ، وهي الدعاء بالخير ، ويوجبه الملائكة بفعل الدعاء ، وهذا مما يختلف فيه معنى صفة الله تعالى وصفة العباد ، كتواب بمعنى كثير القبول للتوبة وتواب بمعنى كثير فعل التوبة . وقال الاعشى : @ عليك مثل الذي صليت فاعتصمي يوماً فان لجنب المرئ مضطجعاً @@ فمن رفع ( مثل ) فانما دعا لها مثل ما دعت له . ومن نصب أمرها بأن تزداد من الدعاء أي عليك بمثل ما قلت . وقوله { ليخرجكم من الظلمات إلى النور } معناه ليخرجكم من الجهل بالله إلى معرفته ، فشبه الجهل بالظلمات ، والمعرفة بالنور ، وانما شبه العلم بالنور ، لانه يقود إلى الجنة ، فهو كالنور . والكفر يقود إلى النار - نعوذ بالله منها - وقال ابن زيد : معناه ليخرجكم من الضلالة إلى الهدى . ثم اخبر تعالى انه { كان بالمؤمنين رحيماً } حين قبل توبتهم وخلصهم من العقاب إلى الثواب بما لطف لهم في فعله . وقوله { تحيتهم يوم يلقونه سلام } أي يحيي بعضهم بعضاً يوم يلقون ثواب الله بأن يقولوا السلامة لكم من جميع الافات والفوز بنعيم ثواب الله . ولقاء الله لقاء ثوابه لا رؤيته ، لأنه بمنزلة قوله { فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه } وبمنزلة قول النبي صلى الله عليه وآله " من حلف على يمين كاذبة يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان " ولا خلاف أن هؤلاء لا يرون الله . وقوله { وأعد لهم أجراً كريماً } أي ثواباً جزيلاً . ثم خاطب النبي صلى الله عليه وآله فقال { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً } أي شاهداً على أمتك في ما يفعلونه من طاعة الله او معصيته او إيمان به او كفر ، لتشهد لهم يوم القيامة او عليهم ، فأجازيهم بحسبه ، ومبشراً لهم بالجنة وثواب الابد إن أطاعوني واجتنبوا معصيتي . { ونذيراً } أي مخوفاً من النار وعقاب الأبد بارتكاب المعاصي وترك الواجبات { وداعياً } اي وبعثناك داعياً لهم تدعوهم { إلى الله بإذنه } والاقرار بوحدانيته وأمتثال ما امرهم به ، والانتهاء عما نهاهم عنه { وسراجاً منيراً } أي انت بمنزلة السراج الذي يهتدي به الخلق . والمنير هو الذي يصدر النور من جهته إما بفعله ، وإما لأنه سبب له ، فالقمر منير ، والسراج منير بهذا المعنى ، والله منير السموات والارض . وقال الزجاج { وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً } وبعثناك ذا سراج ، وحذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه وأراد بالسراج القرآن الذي يحتاجون إلى العمل به . ثم امر نبيه صلى الله عليه وآله بأن { يبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً } أي زيادة على ما يستحقونه من الثواب كثيراً ، ثم نهاه عن طاعة الكفار الجاحدين لله والمنكرين لنبوته فقال { ولا تطع الكافرين } الذين يتظاهرون بالكفر ، ولا { المنافقين } الذين يظهرون الاسلام ، ويبطنون الكفر ، ولا تساعدهم على ما يريدونه { ودع أذاهم } أي اعرض عن اذاهم . فانا اكفيك أمرهم إذا توكلت عليّ ، وعملت بطاعتي فان جميعهم في سلطاني بمنزلة ما هو في قبضة غيري . ثم قال { وتوكل على الله } أي اسند أمرك اليه واكتف به { وكفى بالله وكيلاً } اي كافياً ومتكفلا ما يسنده اليه . وقوله ( وشاهداً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً ، وسراجاً ) كل ذلك نصب على الحال .