Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 51-55)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر وابوبكر عن عاصم { ترجئ } مهموزة . الباقون بغير همز . من همز خففها ومن ترك الهمز لين ، وهما لغتان يقال : أرجئت وأرجيت . وقرأ ابو عمرو وحده { لا تحل } بالتاء . الباقون بالياء . فمن قرأ بالتاء ، فلان النساء مؤنثة . ومن قرأ بالياء حمله على اللفظ لأن المعنى : لا يحل لك شيء من النساء . هذا خطاب من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله يخيره في نسائه بين أن يرجئ منهن من شاء أي تؤخر وتبعد . قال ابن عباس : خيره الله بين طلاقهن وإمساكهن . وقال قوم : معناه تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من نساء أمتك . وقال مجاهد : معناه تعزل من شئت من نسائك فلا تأتيها وتأتي من شئت من نسائك فلا تقسم لها ، فعلى هذا يكون القسم ساقطاً عنه فكان ممن أرجى ميمونه وأم حبيبة وصفية وسودة ، فكان يقسم لهن من نفسه وماله ما شاء ، وكان ممن يأوي عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب ، فكان يقسم نفسه وماله بينهن بالسوية . وقال زيد بن اسلم : نزلت في اللاتي وهبن انفسهن فقال الله له تزوج من شئت منهن واترك من شئت ، وهو اختيار الطبري وهو أليق بما تقدم . فالارجاء هو التأخير وهو من تبعيد وقت الشيء عن وقت غيره ومنه الارجاء في فساق أهل الصلاة ، وهو تأخير حكمهم بالعقاب إلى الله { وتؤوي منهن من تشاء } فالايواء : ضم القادر غيره من الاحياء الذين من جنس ما يعقل إلى غيره أو ناحيته ، تقول آويت الانسان آويه إيواء وأوى هو يأوي أوياً إذا انضم إلى مأواه . وقوله { ومن ابتغيت } يعني من طلبت { ممن عزلت } قال قتادة : كان نبي الله يقسم بين أزواجه فأحل الله تعالى له ترك ذلك . وقيل { ومن ابتغيت } اصابته ممن كنت عزلت عن ذلك من نسائك . وقال الحسن { ترجي من تشاء منهن } تذكر المرأة للتزويج ثم ترجيها فلا تتزوجها { فلا جناح عليك } أي لا جناح عليك في ابتغاء من شئت وإرجاء من عزلت وإيواء من شئت { ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن } أي اقرب إذا علمن أن الرخصة من قبل الله كان ذلك اقر لعينهن ، وإنهن لا يطلقن وأشد لسرورهن وهو قول قتادة . وقيل { ذلك أدنى أن تقر أعينهن } إذا طمعت في ردّها إلى فراشها بعد عزلها { ويرضين بما آتيتهن كلهن } رفع { كلهنّ } على تأكيد الضمير وهو النون في { يرضين } لا يجوز غير ذلك ، لان المعنى عليه . ثم قال { والله يعلم ما في قلوبكم } من الرضا والسخط والميل إلى بعض النساء دون بعض { وكان الله عليماً } بذلك { حليماً } عن ان يعاجل أحداً بالعقوبة . وقوله { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن } قال ابن عباس والحسن : بعد التسع اللاتي كن عنده واخترنه مكافأة لهن على اختيارهن الله ورسوله . وقال ابي بن كعب لا يحل لك من بعد أي حرم عليك ما عدا اللواتي ذكرن بالتحليل في { إنا أحللنا لك … } الآية . وهن ست أجناس النساء اللاتي هاجرن معك وإعطائهن مهورهن وبنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته اللاتي هاجرن معه ، ومن وهبت نفسها له بجميع ما شاء من العدد ، ولا يحل له غيرهن من النساء . وقال مجاهد : { لا يحل لك النساء } من أهل الكتاب ويحل لك المسلمات . وروى أن حكم هذه الآية نسخ ، وأبيح له ما شاء من النساء أي أي جنس أراد ، وكم أراد ، فروي عن عائشة انها قالت : لم يخرج النبي محمد صلى الله عليه وآله من دار الدنيا حتى حلل الله له ما أراد من النساء ، وهو مذهب اكثر الفقهاء . وهو المروي عن أصحابنا في أخبارنا . { ولا أن تبدل بهن من أزواج } قال ابن زيد : معناه أن تعطي زوجتك لغيرك وتأخذ زوجته . لان أهل الجاهلية كانوا يتبادلون الزوجات . وقيل : معناه تطلق واحدة وتتزوج أخرى بعدها { ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك } استثناء الاماء أي اللاتي تملكهن من جملة ما حرم عليه من النساء { وكان الله على كل شيء رقيباً } أي عالماً حافظاً ، فالرقيب الحفيظ - في قول الحسن وقتادة - قال الشاعر : @ لواحد الرقباء للضرباء ايديهم نواهد @@ ثم خاطب المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم } نهاهم عن دخول دور النبي بغير اذن { إلى طعام غير ناظرين إناه } أي بلوغه ، وكان يداريهم ، وهو نصب على الحال ، يقال في الطعام : أناى يأني إذا بلغ حال النضج ، قال الشاعر [ الشيباني ] . @ تمخضت المنون له بيوم اني ولكل حادثة تمام @@ وقال الحطيئة : @ وأخرت العشاء إلى سبيل او الشعري فطال بي الاناء @@ وقال البصريون : لا يجوز { غير ناظرين } بالجر على صفة { طعام } لان الصفة إذا جرت على غير من هي له لم يضمر الضمير ، واجاز ذلك الفراء وانشد الاعشى : @ فقلت له هذه هاتها الينا بأدماء مقتادها @@ والمعنى على يدي من اقتادها ، وقال الكسائي : سمعت العرب تقول : يدك باسطها ، أي انت . وقال الزجاج : لو جر ( غير ) لقال : إلى طعام غير ناظرين إناه انتم ، لا يجوز إلا ذلك . والمعنى غير منتظرين بلوغ الطعام . ثم قال { ولكن إذا دعيتم فادخلوا } والمعنى إذا دعيتم إلى طعام فادخلوا { فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث } أي تفرقوا ولا تقيموا ولا تستأنسوا بطول الحديث ، وإنما منعوا من الاستئناس من اجل طول الحديث لان الجلوس يقتضي ذلك ، والاستئناس هو ضد الاستيحاش ، والانس ضد الوحشة ، وبين تعالى فقال " لأن ذلك " الاستئناس بطول الجلوس { كان يؤذي النبي فيستحيي منكم } أي من الحاضرين ، فيسكت على مضض ومشقة { والله لا يستحيي من الحق } ثم قال { وإذا سألتموهن متاعاً } يعني إذا سألتم أزواج النبي شيئاً تحتاجون اليه { فاسألوهن من وراء حجاب } وستر { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } من الميل إلى الفجور . ثم قال { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله } قال ابو عبيدة { كان } زائدة والمعنى ليس { لكم أن تؤذوا رسول الله } بطول الجلوس عنده ، ومكالمة نسائه { ولا } يحل لكم ايضاً { أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً } لانهن صرن بمنزلة أمهاتكم في التحريم . وقال السدي : لما نزل الحجاب قال رجل من بني تيم أنحجب من بنات عمنا إن مات عرسنا بهن ، فنزل قوله { ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم } إن فعلتموه { كان عند الله عظيماً } . ثم قال لهم { إن تبدوا شيئاً } أي إن اظهرتموه من مواقعة النساء { أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليماً } لا يخفى عليه شيء من أعمالكم لا ظاهرة ولا باطنة . ثم استثنى لازواج النبي محمد صلى الله عليه وآله من يجوز لها محادثتهم ومكالمتهم ، فقال { لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن } ولم يذكر العم والخال لانه مفهوم من الكلام ، لان قرباتهم واحدة ، لأنهن لا يحللن لواحد من المذكورين بعقد نكاح على وجه ، فهن محرم لهن { ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن } قال قوم : من النساء والرجال . وقال آخرون من النساء خاصة . وهو الأصح . وقال مجاهد : رفع الجناح - ها هنا - في وضع الجلباب للمذكورين . وقال قتادة : في ترك الاحتجاب ، ثم أمرهن بأن يتقين الله ويتركن معاصيه فقال { واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيداً } أي عالماً لا يخفى عليه شيء من ذلك . وقال الشعبي وعكرمة : وإنما لم يذكر العم والخال ، لئلا ينعتاهن لابنائهما . وكان سبب نزول الآية لما نزل الحجاب ، قوله { فاسألوهن من وراء حجاب } قال آباء النساء وابناؤهن : ونحن ايضاً مثل ذلك ، فانزل الله الآية وبين أن حكم هؤلاء بخلاف حكم الاجانب .