Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 149-160)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كلهم قرأ { أصطفى } بفتح الهمزة إلا ورشاً واسماعيل عن نافع ، فانهما وصلاه على الخبر . وبه قرأ ابو جعفر قال ابو علي الفارسي : يجوز أن يكون على تقدير لكاذبون في قولهم قالوا : اصطفى ، ويجوز ان يكون اصطفى النبات على ما يقولونه ، والوجه قطع الهمزة ، لأنه على وجه التقريع ، ويقويه قوله { أم اتخذ مما يخلق بنات } قال قتادة والسدي : ان قريشاً كانت تقول : الملائكة بنات الله تعالى ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن يستفتهم بمعنى ان يطلب الحكم منهم في هذه القضية على وجه التقريع لهم والتوبيخ على قولهم بأن يقول لهم ألرّبكم البنات ؟ ! يعني كيف يقولوا لربك البنات يا محمد ولهم البنون ؟ ومن أين علموا ان الملائكة إناثاً اشاهدوا خلق الله لهم ؟ ! فرأوهم اناثاً ؟ فانهم لا يمكنهم ادعاء ذلك . ثم اخبر تعالى فقال { ألا إنهم من إفكهم } أي من كذبهم - في قول قتادة والسدي - هذا القول ، وهو ان يقولوا { ولد الله . وإنهم لكاذبون } في هذا القول . ثم قال { آصطفى البنات على البنين } من قطع الهمزة أراد الانكار بلفظ الاستفهام ، والمعنى كيف يكون هذا ، وكيف يختار البنات على البنين ، ومن وصل الهمزة اراد الاخبار بذلك ، فالاصطفاء إخراج الصفوة من الشيء ، وهي خالصه . وإنما يصطفي الله تعالى افضل الاشياء ، ومن اصطفى الأدون على الأفضل مع القدرة على الأعلى كان ناقصاً . والله تعالى لا يليق بصفات النقص في اصطفاء النبات على البنين مع استحالة اتخاذ الولد عليه ، لما في ذلك من معنى التشبيه ، لأنه إنما يتخذ الولد من يجوز أن يكون مثل ذلك ولداً له ، ولذلك لا يجوز أن يتخذ الشاب شيخا ولدا ، ولا أن يتخذ الانسان بعض البهائم ولداً ، لما لم يكن ذلك ممكناً ، فاذا أستحال الولد عليه تعالى ، فما هو مشبه به أولى بأن يستحيل عليه . وأصل ( اصطفى ) ( اصتفى ) فقلبت التاء طاء لتعدل الحروف في الاطباق والاستعلاء بما هو من مخرج التاء ، فالطاء وسط بين الحرفين لمناسبتها التاء بالمخرج ، والصاد بالاستعلاء والاطباق . قوله { مالكم كيف تحكمون } تهجين لهم بوضعهم الشيء في غير موضعه لأنهم وضعوه موضع الحكمة ، وليس الامر كذلك إذ انتم على فاحش الخطأ الذي يدعو اليه الجهل . وقوله { أم لكم سلطان مبين } معناه هل لكم حجة ظاهرة وبرهان بين في ما تدعونه وتحكمون به . وسمي البرهان سلطاناً ، لأنه يتسلط به على الانكار لمخالفة الحق والصواب . والبيان إظهار المعنى للنفس . ثم قال على وجه الانكار عليهم { فأتوا بكتابكم } إن كان معكم حجة من كتاب انزله الله اليكم فهاتوه { إن كنتم صادقين } في هذا القول ، فانهم لا يقدرون على ذلك ابداً . ثم اخبر تعالى عن هؤلاء الكفار أنهم { جعلوا بينه وبين الجنة نسباً } قال الحسن : اشركوا الشيطان في عبادة الله ، فهو النسب الذي جعلوه . وقال قوم : بل لأنهم قالوا : إنه تعالى تزوج من الجن - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - وقيل : سميت الملائكة جنة لاستتارهم عن العيون . ومعنى الآية أن هؤلاء الكفار بجعلهم الملائكة بنات الله جعلوا بينه وبينهم نسباً ، وهو قول مجاهد وقتادة . ثم قال تعالى على وجه الرد عليهم { ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون } وقال مجاهد وقتادة : قال ذلك لانهم علموا أنهم يحضرون الحساب . وقال السدي : علموا أن قائل هذا القول يحضر الحساب والعذاب . ثم نزه تعالى نفسه عن قولهم وصفتهم ، فقال { سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين } استثنى عباده الذين أخلصوا نفوسهم فوجهوا العبادة اليه تعالى ووصفوه بما يليق به من جملة الكفار القائلين بمالا يليق به .