Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 1-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ادغم ابو عمرو - إذا أدرج - التاء في الصاد ، والتاء في الزاي ، والتاء في الذال في قوله { والصافات صفاً فالزاجرات زجراً فالتاليات ذكراً } لقرب مخرجهما إذا كانا من كلمتين ، وافقه حمزة في جميع ذلك . الباقون بالاظهار لأن قبل التاء حرفاً ساكناً ، وهو الالف ، لأن مخارجها متغايرة . وقرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر { بزينة الكواكب } ولذلك كان يجوز أن يقرأ برفع الكواكب غير أنه لم يقرأ به أحد ، ولو قرئ به لجاز . وقرأ ابو بكر عن عاصم { بزينة } منوناً { الكواكب } نصباً على معنى تزييننا الكواكب . الباقون { بزينة } منوناً { الكواكب } خفضاً على البدل ، وهو بدل الشيء من غيره ، وهو بعينه ، لأن الزينة هي الكواكب ، وهو بدل المعرفة من النكرة ، ومثله قوله { لنسفعاً بالناصية ناصية } فابدل النكرة من المعرفة . وقرأ الكسائي وحمزة وخلف وحفص عن عاصم { لا يسمعون } بالتشديد ، وأصله لا يتسمعون ، فأدغم التاء في السين . الباقون بالتخفيف لان معنى سمعت إلى فلان وتسمعت إلى فلان واحد . وإنما يقولون تسمعت فلاناً بمعنى أدركت كلامه بغير ( إلى ) . ومن شدّد كرّر ، لئلا يشتبه . قال ابن عباس : كانوا لا يتسمعون ولا يسمعون . هذه اقسام من الله تعالى بالأشياء التي ذكرها ، وقد بينا أن له تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه ، وليس لخلقه أن يحلفوا إلا بالله . وقيل إنما جاز أن يقسم تعالى بهذه الأشياء ، لأنها تنبئ عن تعظيمه بما فيها من القدرة الدالة على ربها . وقال قوم : التقدير : ورب الصافات ، وحذف لما ثبت من أن التعظيم بالقسم لله . وجواب القسم قوله { إن إلهكم لواحد } وقال مسروق وقتادة والسدي : إن الصافات هم الملائكة مصطفون في السماء يسبحون الله . وقيل : صفوف الملائكة في صلاتهم عند ربهم - ذكره الحسن - وقيل : هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها الله بما يريد ، كما قال { وإنا لنحن الصافون } وقال ابو عبيدة : كل شيء من السماء والأرض لم يضم قطريه فهو صاف ، ومنه قوله { والطير صافات } إذا نشرت أجنحتها ، والصافات جمع الجمع ، لأنه جمع صافة . وقوله { فالزاجرات زجراً } قال السدي ومجاهد : هم الملائكة يزجرون الخلق عن المعاصي زجراً يوصل الله مفهومه إلى قلوب العباد ، كما يوصل مفهوم اغواء الشيطان إلى قلوبهم ليصح التكليف ، وقيل : إنها تزجر السحاب في سوقها . وقال قتادة : { الزاجرات زجراً } آيات القرآن تزجر عن معاصي الله تعالى ، والزجر الصرف عن الشيء لخوف الذم والعقاب ، وقد يكون الصرف عن الشيء بالذم فقط على معنى انه من فعله استحق الذم . وقوله { فالتاليات ذكراً } قيل فيه ثلاثة اقوال : احدها - قال مجاهد والسدي : هم الملائكة تقرأ كتب الله . وقال قتادة : هو ما يتلى في القرآن . وقال قوم : يجوز أن يكون جماعة الذين يتلون القرآن . وإنما قال { فالتاليات ذكراً } ولم يقل تلوا ، كما قال { فالزاجرات زجراً } لأن التالي قد يكون بمعنى التابع تقول : تلوت فلاناً إذا تبعته بمعنى جئت بعده ، ومنه قوله { والقمر إذا تلاها } فلما كان مشتركاً ، بينه بما يزيل الابهام ، وكل هذه اقسام على أن الآله الذي يستحق العبادة واحد لا شريك له . وقوله { رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق } معناه إن إلهكم الذي يستحق العبادة واحد وهو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما من سائر الاجناس من الحيوان والنبات والجماد { ورب المشارق } ومعناه ويملك التصرف فيها ، والمشارق هي مشارق الشمس ، وهي مطالعها بعدد ايام السنة ثلاثمائة وستون مشرقاً وثلاثمائة وستون مغرباً ، ذكره السدي . ثم اخبر تعالى عن نفسه ، فقال { إنا زينا السماء الدنيا } والتزيين التحسين للشيء وجعله صورة تميل اليها النفس ، فالله تعالى زين السماء الدنيا على وجه يمتع الرائي لها ، وفي ذلك النعمة على العباد مع ما لهم فيها من المنفعة بالفكر فيها والاستدلال على صانعها . والكواكب هي النجوم كالبدر والسماء بها زينة قال النابغة . @ بانك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبق منهن كوكب @@ وقوله { وحفظاً من كل شيطان مارد } معناه وحفظناها حفظاً . والحفظ المنع من ذهاب الشيء ، ومنه حفظ القرآن بالدرس المانع من ذهابه . والمارد الخارج إلى الفساد العظيم ، وهو وصف للشياطين وهم المردة ، واصله الانجراد ، ومنه الأمرد ، والمارد المتجرد من الخير ، وقوله { لا يسمعون } من شدّد أراد لا يتسمعون وأدغم التاء في السين ، ومن خفف أراد ايضاً لا يتسمعون في المعنى { إلى الملأ الأعلى } يعني الملائكة الذين هم في السماء وقوله { ويقذفون من كل جانب } معناه يرمون بالشهب من كل جانب إذا ارادوا الصعود إلى السماء للاستماع { دحوراً } أي دفعا لهم بعنف ، يقال : دحرته دحراً ودحوراً ، وانما جاز أن يريدوا استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون ، وانهم يحرقون بالشهب ، لانهم تارة يسلمون إذا لم يكن من الملائكة هناك شيء لا يجوز أن يقفوا عليه ، وتارة يهلكون كراكب البحر في وقت يطمع في السلامة . وقوله { ولهم عذاب واصب } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد : معناه إن لهم مع ذلك ايضاً عذاباً دائماً يوم القيامة ، ومنه قوله تعالى { وله الدين واصباً } أي دائماً قال ابو الأسود : @ لا ابتغي الحمد القليل بقاؤه يوماً بذم الدهر اجمع واصبا @@ اي دائما . وقوله { إلا من خطف الخطفة } لما اخبر الله تعالى أن الشياطين لا يستمعون إلى الملأ الأعلى ولا يصغون اليهم أخبر انهم متى راموا رموا من كل جانب دفعاً لهم على اشد الوجوه . ثم قال { إلا من خطف الخطفة } أي استلب السماع استلاباً ، والخطفة الاستلاب بسرعة ، فمتى فعل أحدهم ذلك { اتبعه شهاب ثاقب } قال قتادة : والشهاب كالعمود من نار ، وثاقب مضى كأنه يثقب بضوئه يقال أثقب نارك واستثقبت النار إذا استوقدت وأضاءت ، ومنه قولهم : حسب ثاقب أي مضى شريف ، قال ابو الأسود : @ أذاع به في الناس حتى كأنه بعلياء نار اوقدت بثقوب @@ أي بحيث يضئ ويعلو .