Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 51-60)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما حكى الله تعالى أن اهل الجنة يقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن اخبارهم وأحوالهم ، ذكر أن قائلا منهم يقول { إني كان لي قرين } في دار الدنيا أي صاحب يختص بي إما من الانس - على ما قال ابن عباس - او من الجن - على ما قال مجاهد - { يقول } لي على وجه الانكار علي والتهجين لفعلي { أئنك لمن المصدقين } بيوم الدين بان الله يبعث الخلق بعد أن يصيروا تراباً وعظاماً وانهم يحشرون بعد ذلك ويحاسبون ويجازون إن هذا لبعيد ، فألف الاستفهام دخلت - ها هنا - على وجه الانكار ، وإنما دخلت ألف الاستفهام للانكار من حيث أنه لا جواب لقائله إلا ما يفتضح به ، وهؤلاء الكفار غلطوا في هذه الانكار وتوهموا أن من يقول في جواب ذلك نعم يأتي بقبيح من القول . وقوله { أئنا لمدينون } معناه لمجزّيون مشتق من قولهم : كما تدين تدان . أي كما تجزي تجزى ، والدين الجزاء ، والدين الحساب ، ومنه الدين ، لأن جزاءه القضاء ، وقال ابن عباس : القرين الذي كان له شريكاً من الناس . وقال مجاهد : كان شيطاناً . ثم حكى انه يقال لهذا القائل على وجه العرض عليه { هل أنتم مطلعون } أي يؤمرون أن يروا مكان هذا القرين في النار ، فيقول : نعم ، فيقال له : اطلع في النار ، فيطلع في الجحيم فيراه في سوائه أي وسطه - في قول ابن عباس والحسن وقتادة - وإنما قيل للوسط : سواء لاستوائه في مكانه بأن صار بدلا منه ، وقد كثر حتى صار بمعنى غير ، وروى حسين عن أبي عمرو { مطلعوني فاطلع } بكسر النون وقطع الألف ، وهو شاذ ، لان الاسم إذا أضيف حذفت منه النون ، كقولك : مطلعي ، وإنما يجوز في الفعل على حذف احدى النونين ، وقد انشد الفراء على شذوذه قول الشاعر : @ وما أدرى وظني كل ظن أسلمني إلى قوم شراح @@ يريد شراحل ، وانشده المبرد ( أأسلمني ) وانشد الزجاج : @ هم القائلون الخير والأمر دونه إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما @@ وقيل : ان لأهل الجنة في توبيخ أهل النار لذة وسروراً . وقال الحسن : الجنة في السماء والنار في الأرض ، فلذلك صح منهم ، الاطلاع . ثم حكى تعالى ما يقوله المؤمن إذا اطلع عليه ورآه في وسط الجحيم فانه يقول { تالله إن كدت لتردين } ومعنى { تالله } القسم على وجه التعجب وإنما كان كذلك ، لان التاء بدل من الواو في القسم على وجه النادر ، ولذلك اختصت باسم الله ليدل على المعنى النادر . وقوله { إن كدت لتردين } وهي التي في قوله { إن كل نفس لما عليها حافظ } إلا أنها دخلت في هذا على ( فعل ) ومعنى { لتردين } لتهلكني كهلاك المتردي من شاهق ، ومنه قوله { وما يغني عنه ماله إذا تردى } في النار ، وتقول ردي يردى إذا هلك وأرداه غيره إرداء إذا أهلكه ثم يقول { فلولا نعمة ربي } علي ورحمته لي بأن لطف لي في ترك متابعتك والقبول منك { لكنت } أنا ايضاً { من المحضرين } معك في النار فالاحضار الاتيان بالشيء إلى حضرة غيره ، وقال الشاعر : @ افي الطوف خفت علي الردى وكم من رد أهله ولم يرم @@ أي من هالك ، وقوله { أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين } هذا تقريع لهم وتوبيخ ، لأن هذا الكافر كان يقول كثيراً ذلك في دار الدنيا ، ومثله قول الشاعر : @ قالت له ويضيق ضنك لا تكثري لومي اخلي عنك @@ ومعناه إنها كانت تلومه على الانفاق ، فكان يقول لا تكثري لومي فاطلقك فلما انفق عيرته بذلك ووبخته وحكت ما كان يقول عند توبيخها وعذلها . وقال الجبائي : هذا يقوله المؤمن على وجه الاخبار بأنه لا يموت بعد هذا النعيم لكن الموتة الأولى قد مضت ، فتلخيص معنى الآية قولان : أحدهما - انه يقوله المؤمن على وجه السرور بنعم الله في أنه لا يموت ولا يعذب . الثاني - أن المؤمن يقوله على وجه التوبيخ لقرينة بما كان ينكره . وقوله { إن هذا لهو الفوز العظيم } إخبار منه تعالى بأن هذا الثواب الذي حصل له لهو الفلاح العظيم .