Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 91-101)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة والمفضل عن عاصم { يزفون } بضم الياء . الباقون بفتحها ، وهما لغتان . وزففت اكثر . ويجوز أن يكون المراد زفّ الرجل في نفسه وأزف غيره ، والتقدير فأقبلوا اليه يزفون أنفسهم . قوله { فراغ إلى آلهتهم } معناه مال إليها بحدة ، تقول : راغ يروغ روغاً وروغاناً مثل حاد يحيد حيداً وحيداناً ، والرّواغ الحياد ، قال عدي ابن زيد : @ حين لا ينفع الرواغ ولا ينفع إلا الصادق النحرير . @@ وإنما مال اليها بحدة غضباً على عابديها ، وقوله { إلى آلهتهم } معناه إلى ما يدعون أنها آلهتهم أي إلى ما اتخذوها آلهة لهم ، كما تقول . للمبطل : هات حجتك مع علمك انه لا حجة له . وقوله { فقال ألا تأكلون } إنما جاز ان يخاطب الجماد بذلك تهجينا لعابديها وتنبيها على أن من لا يتكلم ولا يقدر على الجواب كيف تصح عبادتها ، فاجراها مجرى من يفهم الكلام ويحسن ذكر الجواب استظهاراً في الحجة وإيضاحاً للبرهان ، لكل من سمع ذلك ويبلغه . وقوله { ما لكم لا تنطقون } معناه تهجينا لعابديها كأنهم حاضرون بها . وقوله { فراغ عليهم ضرباً باليمين } قيل في معناه قولان : احدهما - انه مال عليهم بيده اليمنى ، لانها اقوى على العمل من الشمال . الثاني - بالقسم ليكسرنها ، لأنه كان قال { وتالله لأكيدن أصنامكم } وقال الفراء : اليمين القوة ، ومنه قول الشاعر : @ [ إذ ما راية رفعت لمجد ] تلقاها عرابة باليمين @@ أي بالقوة . وقوله { فاقبلوا اليه يزفون } قال ابن زيد : معناه يسرعون . وقال السدي : يمشون . وقيل : يتسللون بحال بين المشي والعدو ، ومنه زفت النعامة ، وذلك أول عدوها ، وهو بين العدو والمشي ، وقال الفرزدق : @ وجاء فزيع الشول قبل أوانها تزف وجاءت خلفه وهي زفف @@ ومنه زففت العروس إلى زوجها ، ومعنى يزفون يمشون على مهل ، قال الفراء : لم أسمع إلا زففت ، قال ولعل من قرأ بالضم اراد من قولهم طردت الرجل إذا أخسأته واطردته جعلته طريداً . وقرأ بعضهم { يزفون } يفتح الياء وتخفيف الفاء من ( وزف ، يزف ) قال الكسائي والفراء : لا اعرف هذه إلا أن يكون احدهم سمعها . فلما رآهم ابراهيم صلى الله عليه وآله اقبلوا عليه قال لهم على وجه الانكار عليهم والتبكيت لهم بفعلهم { أتعبدون ما تنحتون } فالالف ألف الاستفهام ومعناها الانكار ووجه التوبيخ انه كيف يصح أن يعبد الانسان ما يعمله بيده ! فانهم كانوا ينحتون الاصنام بأيديهم ، فكيف تصح عبادة من هذه حاله مضافاً إلى كونها جماداً ! . ثم نبههم فقال { والله } تعالى هو الذي { خلقكم } وخلق الذي { تعملون } فيه من الاصنام ، لانها اجسام والله تعالى هو المحدث لها ، وليس للمجبرة أن تتعلق بقوله { والله خلقكم وما تعملون } فتقول : ذلك يدل على ان الله خالق لافعالنا ، لامور : احدها - ان موضوع كلام ابراهيم لهم بني على التقريع لهم لعبادتهم الاصنام ، ولو كان ذلك من فعله تعالى لما توجه عليهم العيب ، بل كان لهم ان يقولوا : لم توّبخنا على عبادتنا للاصنام والله الفاعل لذلك ، فكانت تكون الحجة لهم لا عليهم . الثاني - انه قال لهم { أتعبدون ما تنحتون } ونحن نعلم أنهم لم يكونوا يعبدون نحتهم الذي هو فعلهم ، وإنما كانوا يعبدون الاصنام التي هي الاجسام وهي فعل الله بلا شك . فقال لهم { والله خلقكم } وخلق هذه الاجسام . ومثله قوله { فإذا هي تلقف ما يأفكون } ومثله قوله { وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا } وعصا موسى لم تكن تلقف افكهم ، وإنما كانت تتلقف الأجسام التي هي العصا والحبال . ومنها ان ( ما ) في قوله { وما تعملون } لا يخلو من ان تكون بمعنى ( الذي ) او تقع مع بعدها بمنزلة المصدر ، فان كانت بمعنى ( الذي ) فـ { تعملون } صلتها ، ولا بد لها من عائد يعود اليها ، فليس لهم أن يقدروا فيها ضميراً لها ليصح ما قالوه ، لان لنا أن نقدر ضميراً فيه فيصح ما نقوله ، ويكون التقدير : وما يعملون فيه ، والذي يعملون فيه هي الاجسام وإن كانت مصدرية فانه يكون تقديره : والله خلقكم وعملكم ، ونفس العمل يعبر به عن المعمول فيه بل لا يفهم في العرف إلا ذلك ، يقال فلان يعمل الخوص ، وفلان يعمل السروج ، وهذا الباب من عمل النجار ، والخاتم من عمل الصانع ، ويريدون بذلك كله ما يعملون فيه ، فعلى هذا تكون الأوثان عملا لهم بما يحدثون فيها من النحت والنجر ، على أنه تعالى اضاف العمل اليهم بقوله { وما تعملون } فكيف يكون ما هو مضاف اليهم مضافا إلى الله تعالى وهل يكون ذلك إلا متناقضاً . ومنها أن الخلق في أصل اللغة هو التقدير للشيء وترتيبه ، فعلى هذا لا يمتنع أن نقول : إن الله خالق افعالنا بمعنى أنه قدرها للثواب والعقاب ، فلا تعلق للقوم على حال . ثم حكى تعالى ما قال قوم ابراهيم بعضهم لبعض فانهم { قالوا ابنوا له بنياناً } قيل : انهم بنوا له شبه الحظيرة . وقيل مثل التنور وأججوا ناراً ليلقوه فيها . والبناء وضع الشيء على غيره على وجه مخصوص ، ويقال لمن رد الفرع إلى الأصل بناه عليه . { فألقوه في الجحيم } بمعنى اطرحوه في النار التي اججوها له . والجحيم عند العرب النار التي تجتمع بعضها على بعض . ثم اخبر تعالى ان كفار قوم ابراهيم انهم { أرادوا به كيداً } وحيلة وهو وما ارادوا من إحراقه بالنار { فجعلناهم الأسفلين } بأن اهلكهم الله ونجا ابراهيم وقيل منع الله - عز وجل - النار منه بل صرفها في خلاف جهته ، فلما أشرفوا على ذلك علموا انهم لا طاقة لهم به . ثم حكى ما قال ابراهيم حين ارادوا كيده ، فانه قال { إني ذاهب إلى ربي } ومعناه إلي مرضات الله ربي بالمصير إلى المكان الذي أمرني ربي بالذهاب اليه . وقيل : إلى الأرض المقدسة وقيل إلى ارض الشام . وقال قتادة : معناه { إني ذاهب إلى ربي } أي بعملي ونيتي ، ومعنى { سيهدين } يعني يهديني في ما بعد إلى الطريق الذى امرني بالمصير اليه أو إلى الجنة بطاعتي إياه . ثم دعا ابراهيم ربه فقال { ربي هب لي من الصالحين } يعني ولداً صالحاً من الصالحين ، كما تقول : اكلت من الطعام ، وحذف لدلالة الكلام عليه ، فأجابه الله تعالى إلى ذلك وبشره بغلام حليم اي حليماً لا يعجل في الأمور قبل وقتها ، وفي ذلك بشارة له على بقاء الغلام حتى يصير حليماً . وقال قوم : المبشر به اسحاق وقال آخرون اسماعيل ، ونذكر خلافهم في ذلك في ما بعد .