Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 41-44)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابو جعفر { بنصب } بضم النون والصاد . وقراءة يعقوب بفتحهما . الباقون بضم النون وإسكان الصاد ، وهي لغات أربع . وقراءة هبيرة بفتح النون وإسكان الصاد . يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله { واذكر } يا محمد { عبدنا أيوب إذ نادى ربه } فقال يا رب ، لان النداء هو الدعاء بطريقة يا فلان ومتى قال اللهم افعل بي وارزقني وعافني كان داعياً ولا يكون منادياً { أني مسني الشيطان } { أني } في موضع نصب لان تقديره ، انه نادى بهذا القول ، وتقديره بأني مسني فلما حذف الياء نصب { أني } و { مسني الشيطان } أي وسوسني وذكرني ما كنت فيه من نعم الله في الاهل والولد والمال ، وكيف زال ذلك كله وما حصل فيه من البلية طمعاً فيه ليزله بذلك ويجد طريقاً إلى اضلاله وتضجره وتبرمه ، فوجده صابراً عند ذلك مسلماً لأمر الله تعالى . وقيل : انه كان وسوس إلى قومه أن يستقذروه ويخرجوه من بيتهم ولا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم ، لان فيه برصاً وجذاماً ربما عدا اليهم وكان أيوب ينادى بذلك ويألم به . والنصب والوصب والتعب نظائر ، وفيه لغات اربع على ما حكيناه نصب ونصب مثل حزن وحزن ورشد ورشد ورشد ، وعدم وعدم ، ثم تسكن الصاد مع فتح النون تخفيفاً وتضم النون والصاد اتباعاً لما قبله . ونقيض النصب الراحة وأصله ألا نصاب يقال انصبني أي عذبني ، وبرح بي ، ومنهم من يقول : نصبني قال بشر بن أبي حازم : @ تعناك نصب من أميمة منصب @@ وقال النابغة : @ كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسية بطئ الكواكب @@ و { عذاب } اراد به ماكا يدخل عليه من ألم الوسوسة ، فاجاب الله تعالى دعاه وقال { اركض برجلك } أي ادفع برجلك الارض ، فالركض الدفع بالرجل على جهة الاسراع ، ومنه ركض الفرس لاسراعه ذا دفعه برجله . يقال : ركضت الدابة وركضتها أنا مثل جبر العظم وجبرته أنا ، وحزن وحزنته انا ، وفي الكلام حذف وتقديره فركض برجله وظهر عين ماء ، فقال الله له { هذا مغتسل } أي ماء مغتسل { بارد وشراب } وقال الحسن وقتادة : نبعت له عينان ، فاغتسل من احداهما وشرب من الأخرى ، فالمغتسل موضع الاغتسال . وقيل : كل ماء يغتسل فيه فهو مغتسل وغسول - ذكره ابو عبيدة - وفي الكلام حذف ، وتقديره إن أيوب اغتسل من تلك العين ، فأزال الله تعالى عنه جميع ما كان فيه من الامراض . ثم اخبر بما من عليه زيادة على صلاح جسمه ، وزوال ألمه فقال { ووهبنا له أهله } لأنه لما رد عليه أهله كان ذلك هبة منه مجددة { ومثلهم معهم } وتقديره ووهبنا له مثل أهله دفعة اخرى . وقد ذكرنا اختلاف المفسرين في ذلك - في سورة الانبياء - وأن فيهم من قال اعطاه بكل امرأة امرأتين وبكل ولد ولدين في دار الدنيا . ومنهم من قال ذلك اخبار عما يهبه الله له في الآخرة . وقيل : إن الله تعالى أمطر عليه جراداً من ذهب وقوله { رحمة منا } معناه فعلنا ذلك لرحمتنا إياه ، فهو نصب على انه مفعول له ، ويجوز أن يكون نصباً على المصدر { وذكرى لأولى الألباب } أي وليتذكر به ويعتبر ذووا العقول فيصبروا كما صبر . ثم حكى ما قال له فانه قال له { خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } فالضغث ملء الكف من الحشيش او الشماريخ وما أشبه ذلك قال عوف بن الجزع : @ وأسفل مني فهدة قد ربطنها والقيت ضغثاً من حلا متطيب @@ أي تطيبت لها . وقيل إنه كان حلف على امرأته لامر أنكره من قولها لئن عوفي ليضربنها مئة ، فقيل له { خذ ضغثاً } بعدد ما حلفت ، فاضرب به دفعة واحدة ، فانك إذا فعلت ذلك ، فقد بررت قسمك ، ولم تحنث ، وهو قول قتادة والضحاك . وقوله { ولا تحنث } نهي له عن الحنث . ثم اخبر تعالى عن حال ايوب وعظم منزلته ، فقال { إنا وجدناه صابراً } لبلائنا مسلماً لامرنا . ثم أثنى عليه فقال { نعم العبد إنه أواب } أي رجاع إلى الله منقطع اليه ، وعندنا ان من حلف ان يضرب غيره مئة فضربه بشمراخ فيه مئة طاقة ، فقد بر في يمينه ، وفيه خلاف بين الفقهاء .