Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 45-54)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير { واذكر عبدنا إبراهيم } على التوحيد . والباقون على الجمع . وقرأ نافع { بخالصة ذكرى الدار } مضافاً . الباقون بالتنوين . من نون جعل { ذكرى } بدلا من ( خالصة ) وموضعه جر ، ويجوز أن يكون نصباً باضمار ( اعني ) او يكون معمول خالصة - في قول ابي عبيدة - ويجوز أن يكون رفعاً باضمار هي ذكرى ، كما قال { قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار } اي هي النار ، قال ابو علي : { الدار } يحتمل ان يكون الدنيا ويحتمل أن يكون الآخرة اي باخلاصهم ذكرى في الدنيا ، فاذا حملت على دار الاخرة ، فعلى تقدير إخلاصهم ذكرى الدار . ويكون ذكرهم لها وجل قلوبهم منها ومن حسابها ، كما قال { وهم من الساعة مشفقون } فالدار عندهم على هذا مفعول به ، وليست كالوجه المتقدم . فأما من اضاف فانه يكون قد اضاف إلى المفعول ، كأنهم باخلاصهم ذكرى الدار والخوف منها اخلصوا ذكرها والخوف منها لله تعالى ، ويكون على اضافة المصدر إلى الفاعل وتقديره بأن خلصت لهم ذكرى الدار . وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { والليسع } بلامين . الباقون بلام واحدة من قرأ بلامين ادخل على اللام الالف واللام ، ثم ادغم احداهما في الأخرى كما قال الشاعر : @ وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا شديداً بأعباء الخلافة كاهله @@ لانه قدره تقدير النكرة ، وقرأ { هذا ما يوعدون } بالياء ابن كثير وابو عمرو ، وفي سورة ق ابن كثير وحده . الباقون بالتاء . من قرأ بالياء فللغيبة ، ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب ، ومن قرأ { عبدنا } على التوحيد يجوز ان يكون خص به ابراهيم بكونه عبداً له كما خصه بالخلة ، ويجوز أن يكون لان لفظه يدل على القليل والكثير . ومن جمع فلانه ذكر جماعة . يقول الله تعالى مخاطباً لنبيه { واذكر } يا محمد { عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب } فمن قرأ بالجمع فلأنه ذكر جماعة . ومن قرأ بالتوحيد فلان لفظة ( عبد ) لفظ جنس يقع على القليل والكثير ، ثم وصفهم فقال { أولي الأيدي } يعني اولي القوة على العبادة { والأبصار } الفقه في الدين - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة - وقيل : { أولي الأيدي } معناه اولي الاعمال الصالحة ، وقيل معناه اولي النعم في الدين ، قال الشاعر : @ فاعمل لما يعلو فمالك بالـ ـذي لا تستطيع من الأمور تدان @@ ثم اخبر تعالى عن حال هؤلاء الذين وصفهم ، فقال { انا أخلصناهم } فالاخلاص إخراج كل شائب من الشيء ليس من شكله ، فهؤلاء الابرار قد اخلصهم الله لنعيم الجنان بلطفه في ما لازموه من الاحسان . وقوله { بخالصة ذكرى الدار } معناه إنا اخلصنا ابراهيم وإسحاق ويعقوب بخلة خلصت لهم . ثم قال { ذكرى الدار } بدلا من ( خالصة ) اي يذكرون بدار الآخرة ويزهدون في الدنيا ، ويجوز ان يكون المعنى إنهم يكثرون ذكر الآخرة والرجوع إلى الله ، ومعنى { أخلصناهم } اصفيناهم ، قال الطبري : معناه اخلصناهم بأفضل ما في الآخرة ، هذا على قول من اضاف ، وهو قول ابن زيد . ومن نون فالمعنى الخالصة التي اخلصناهم بها هي ذكرى الدار للعمل لها فناهيك بها من خالصة ادت اليها وهي الجنة . ثم قال { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار } والاصطفاء إخراج الصفوة من كل شيء فهم صفوة وغيرهم كدر ، فالله تعالى اصطفى هؤلاء الانبياء بأن اختارهم لنبوته بحسب ما سبق في علمه انه يكون منهم من القيام باعباء النبوة والمسارعة إلى الخير والتبرز في الفضل . والذكر الذي يحتاج اليه على وجهين : ذكر ما يجب بالرغبة فيه والدعاء اليه وذكر ما يتقى بالرهبة منه والتحذير منه . وفي ذلك تمام الداعي والصارف اللذين تقتضيهما الحكمة . و { الأخيار } جمع خير على وزن ( أموات ) جمع ( ميت ) وهو من يفعل الأفعال الكثيرة الحسنة . وقيل هو جمع ( خير ) ومثله ( الابرار ) جمع ( بر ) وصفوا بالمصدر . وقال مجاهد وقتادة : { ذكرى الدار } دار الآخرة وقال ابن زيد : هي دار الجنة . كما قال تعالى { ولنعم دار المتقين } قيل : إنهم كانوا يذكرونها للعمل لها ودعاء الناس اليها . وقيل : ذكرى الدار بالثناء الذي ليس لغيرهم من اجل قيامهم بالنبوة . وقيل : الاصطفاء الاختصاص بمدحهم بأنهم هم الصفوة . وقيل : إنما خاطب الله النبي صلى الله عليه وآله أن يذكرهم بصبرهم وفضلهم ليسلك طريقهم . ثم قال له صلى الله عليه وآله { واذكر } أيضاً { إسماعيل واليسع وذا الكفل } بمثل ذلك . ثم اخبر عنهم بأنهم كلهم من الاخيار . وقيل ذو الكفل ذو الضعف من الثواب . وقيل كان اسمه ذلك . وقيل : سمي بذلك لأنه تكفل بأمر انبياء خلصهم الله من القتل به . وقيل تكفل بعمل صالح فسمي به . ثم قال تعالى { هذا ذكر } ومعناه إن ما اخبرنا عنهم ذكر أي شرف لهم وذكر جميل وثناء حسن يذكرون به في الدنيا { وإن للمتقين لحسن مآب } يعني حسن المرجع في الآخرة ، لأنهم يرجعون إلى الجنة . ثم بين ذلك المآب ، فقال { جنات عدن } وهو في موضع جر على البدل من { مآب } والجنات جمع جنة وهي البستان التي يجنها الشجر { عدن } يعني موضع إقامة وخلود { مفتحة لهم الأبواب } قيل تنفتح من غير كلفة ، قال الحسن تكلم : انفتحي انغلقي ، ورفعت { الأبواب } لان تقديره مفتحة لهم ابوابها ، فدخلت الألف واللام بدلا من الاضافة ، كما يقولون : مررت برجل حسنة عينه قبيح أنفه يريدون قبيح الانف - ذكره الفراء - وقال الزجاج : تقديره مفتحة لهم الابواب منها ، ولو نصب { الأبواب } لجاز ، كقول الشاعر : @ فما قومي بتغلبة بن سعد ولا بفزارة الشعث الرقابا @@ هذا على شبه المفعول . ثم وصف تعالى الذين يحصلون في الجنة فقال { متكئين فيها على الأرائك } فالاتكاء الاستناد إلى المساند ، ومنه الوكاء لانه يستمسك به ما في الوعاء { يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب } أي يستدعون الفواكه للاكل والشراب للشرب { وعندهم قاصرات الطرف أتراب } يعني قصرن على ازواجهن فمالهن في غيرهم بغية ، فالقاصر نقيض الماد ، يقال هو قاصر طرفه عن فلان وماد عينه إلى فلان قال امرؤ القيس : @ من القاصرات الطرف لودب محول من الذر فوق الاتب منها لأثرا @@ والاتراب الأقران على سن واحد ليس فيهن هرمة ولا عجوز . قال الفراء : لا يقال الاتراب إلا في الأناث ، ولا يقال في الذكران قال ابن أبي ربيعة : @ ابرزوها مثل المهاة تهادى بين عشر كواعب اتراب @@ والترب اللذة وهو مأخوذ من اللعب بالتراب . وقيل : اتراب على مقدار سن الازواج من غير زيادة ولا نقصان . ثم قال تعالى { هذا ما توعدون } فمن قرأ بالتاء فعلى انه يقال لهم ويخاطبون بهذا القول . ومن قرأ بالياء فعلى الخبر عن حالهم { ليوم الحساب } يعني يوم الجزاء . ثم قال تعالى { إن هذا } يعني الذي وصفته من الجنة وما فيها من أنواع اللذات { لرزقنا ما له من نفاد } يعني من انقطاع لأنه على سبيل الدوام ، وهو قول قتادة .