Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 76-88)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثلاث عشرة آية في الكوفي واثنتا عشرة اية في ما عداه عد الكوفي { فالحق أقول } ولم يعده الباقون . قرأ عاصم إلا هيبرة وخلف وحمزة { قال فالحق } بالرفع { والحق } بالنصب . الباقون بالنصب فيهما ، من رفع تقديره فأنا الحق ، ويجوز على تقدير فالحق لأملأن كما تقول : عزيمة صادقة لآتينك ، ويجوز على تقدير حذف الخبر ، وتقديره : فالحق مني لأملأن . ومن نصب فعلى فالحق لأملأن على القسم ، كما تقول : والله لأفعلن ، ويجوز في مثله حقاً لأملأن ، ويكون { والحق أقول } اعتراضاً بين الكلامين ، ويجوز أن يكون النصب على تقدير اتبعوا الحق ، او أقول الحق . وقال ابو علي : من نصب ( الحق ) الأول فعلى اضمار ( فعل ) نحو ما ظهر في قوله { ليحق الحق } وفي قوله { ويحق الله الحق } لما حكى تعالى ما قال لابليس على وجه الانكار عليه { استكبرت أم كنت من العالين } حكى ما أجاب به إبليس ، فانه قال { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } وقيل إن الله تعالى خلق الملائكة من الريح فسموا بذلك روحانيين ، وخلق آدم من الطين وخلق إبليس من النار ، فظن إبليس إن النار أشرف من الطين لما فيها من النور ، ولما يكون بها من الانضاح لأكثر ما يحتاج اليه ومن الاحراق الذي يقع به الزجر من العقاب فدخلت عليه الشبهة بهذا ، وظن أنه افضل منه من حيث كان أصله افضل من اصل آدم ، وكيف يجوز أن يفضل آدم عليه السلام عليه . وهذا يدل على ان السجود لآدم كان على وجه التفضيل له على جميع من أمر بالسجود له ، وإلا لم يكن يمتنع من ذلك ، ولم يعلم إبليس أن الله تعالى إنما امرهم بالسجود لآدم عبادة له ، وإن كان تفضيلا لآدم وإن لهم في ذلك لطفاً في تكليفهم فلذلك أمرهم الله بالسجود له ، ولو أنعم النظر في ذلك لزالت شبهته . فقال الله تعالى له { فاخرج منها } قال الحسن : يعني من السماء . وقال غيره : من الجنة { فإنك رجيم } أي مرجوم إن رجعت اليها بمثل الشهب التي ترجم به الشياطين . وأصل الرجيم المرجوم ، وهو المرمي بالحجر { وإن عليك لعنتي } يا إبليس ابعادي لك من رحمتي { إلى يوم الدين } يعني يوم القيامة الذي هو يوم الجزاء . فقال إبليس عند ذلك يا { رب فأنظرني } أي اخرني { إلى يوم يبعثون } أي يوم يحشرون للحساب ، وهو يوم القيامة فقال الله تعالى له { فإنك من المنظرين } أي من المؤخرين { إلى يوم الوقت المعلوم } أي اليوم الذي قدر الله فيه اماتتك ، فعلى هذا لا يلزم أن يكون إبليس مغرى بالقبائح لعلمه بأنه يبقى ، لأنه لا وقت إلا وهو يجوز أن يخترم فيه ، ولا يقدر على التوبة فالزجر حاصل له . ومن قال إنه اجابه إلى يوم القيامة يقول : كما أعلمه انه يبقيه إلى يوم يبعثون ، اعلمه ايضاً انه من أهل النار لا محالة ، وانه لا يتوب وصح مع ذلك تكليفه ، لأنه يلزمه بحكم العقل أن لا يفعل القبيح من حيث انه متى فعله زاد عقابه ، ويضاعف على ما يستحق له وتخفيف العقاب عن النفس واجب بحكم العقل ، كما يجب اسقاط العقاب جملة . ثم حكى تعالى ما قال إبليس فانه اقسم وقال { فبعزتك } يا الهي { لأغوينهم أجمعين } فالعزة القدرة التي يقهر بها غيره من القادرين ، و ( الاغواء ) التخيب ، وإبليس يغوي الخلق بأن يزين لهم القبيح ويرغبهم فيه . والغي خلاف الرشد ، وهو الخيبة ، يقال : أغواه يغويه إغواء ، فهو مغوي إذا دعاه إلى ما فيه الخيبة . ثم استثنى من جملة من يغويهم { عباد الله المخلصين } مع حرصه على اغواء الجميع من حيث أنه يئس منهم من حيث علم انهم لا يقبلون منه ولا ينقادون لاغوائه ، وانه ليس له عليهم سلطان إلا بالاغواء ، فاذا علم أن منهم من لا يقبل منه عرف ذلك عنه ليأسه منه . ومن فتح اللام من { المخلصين } أراد إن الله تعالى اخلصهم بما فعل لهم من اللطف الذي امتنعوا عنده من القبائح ، ومن كسر اللام أراد انهم اخلصوا عبادتهم لله ، لم يشركوا معه غيره . ثم حكى تعالى ما أجاب به - عز وجل - لابليس ، فانه قال له { فالحق والحق أقول لأملأن } فمن رفع الأول اراد ، فأنا الحق او فالحق لاملان واقول الحق . ومن نصب فعلى تقدير . فالحق لأملأن ، كما تقول حقاً لأملأن ، ويكون { والحق أقول } اعتراض بين الكلامين ويكون العامل في { الحق } الثاني قوله { أقول } { لأملأن جهنم منك } { يا إبليس } { وممن تبعك منهم أجمعين } أي من تابعك على دعائك إلى المعاصي . ثم خاطب النبي صلى الله عليه وآله فقال { قل } يا محمد { ما أسألكم عليه من أجر } أي ليس اسألكم أجراً على دعائكم إلى الله { وما أنا من المتكلفين } أي ولست ممن يتعسف في طلب الأمر الذي لا يقتضيه العقل ، وصفة ( متكلف ) صفة تجري مجرى الذم ، فلذلك قال { وما أنا من المتكلفين } ، لانه لا يدعو إلا إلى الأمر الجميل الذي يقتضيه الحق . ثم قال { إن هو إلا ذكر للعالمين } أي ليس هذا القرآن إلا شرف للعالمين { ولتعلمن نبأه بعد حين } قال الفراء : معناه ولتعلمن خبر القرآن وانه حق او خبر محمد أنه صادق بعد حين ، قال الحسن : عند الموت يأتيك الخبر القين . وقال ابن زيد : يوم القيامة ، والحين الوقت ، وقال عكرمة : هو كقوله { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } وذلك حين تصرم النخلة إلى حين تطلع ستة أشهر وهو مثل ما رواه أصحابنا سواء .