Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 71-75)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله قل يا محمد { ما كان لي من علم بالملأ الأعلى } من الملائكة { إذ يختصمون … إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين } يعني آدم عليه السلام ، لأن الله تعالى خلقه من طين ، فالخلق فعل الشيء على تقدير وترتيب وكان جعل آدم على مقدار ما تقتضيه الحكمة واصل الخلق التقدير . والبشر مأخوذ من البشرة ، وهي الجلدة الظاهرة ، والانسان مأخوذ من الانس ، لأنه يأنس بمثله في ما يؤنس به ، فجرى عليه الاسم ، لأن هذا من شأنه { فإذا سوّيته } أي سويت خلق هذا البشر وتممت أعضاه وصورته { فقعوا له ساجدين } أي اسجدوا له . وقد بينا في ما مضى أن السجود كان لله تعالى وعبادة له وفيه تفضيلا لآدم على الملائكة وقوله { ونفخت فيه من روحي } فالروح جسم رقيق هوائي بها يتم كون الحي حياً لتخرقه في مخارق الانسان وهو مشتق من الريح ، ومنه الراحة والاستراحة من الكد للخفة على النفس كالريح ، ومنه الأريحة ، والراحة كف الانسان لما يتراوح الناس اليها في العمل ، ومنه الرواح إلى المنزل للاستراحة ومعنى { ونفخت فيه من روحي } أي توليت خلقها من غير سبب كالولادة التي تؤدي اليها ، لان الله تعالى شرف آدم بهذه الحال وكرمه . وفي الكلام حذف وتقديره إن الله خلق آدم الذي وعدهم بخلقه ثم إن الملائكة سجدت بأجمعها له إلا إبليس الذي أمتنع ، وقد بينا اختلاف الناس في أن إبليس هل كان من جملة الملائكة ، ومن قبلهم او كان في جملتهم يتناول الأمر له بالسجود فلا نطوّل باعادته فمن قال لم يكن منهم ، قال ( إلا ) بمعنى ( لكن ) وتقديره : لكن إبليس استكبر وتجبر وامتنع من السجود له ، وكان بذلك الاباء والمخالفة من جملة الكافرين . ثم حكى ما خاطب الله تعالى إبليس به حين امتنع من السجود لآدم { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } على وجه التقريع له والتهجين لفعله ، وإنما قال { بيدي } على وجه تحقيق الاضافة لخلقة الله تعالى ، لا انه أمر به او كان على سبب أدى اليه تعالى ، والتثنية أشد مبالغة ، كما قال الشاعر : @ دعوت لما نابني مسوراً فلبي فلبي يدي مسور @@ لتحقيق اضافة المبالغة إلى مسور ، ومثله قولهم : هذا ما كسبت يداك أى ما كسبته أنت قال الشاعر : @ ايها المبتغي فناء قريش بيد الله عمرها والفناء @@ فوحد لتحقيق الاضافة . ثم قال له بلفظ الاستفهام والمراد به الانكار { استكبرت } يا إبليس أى طلبت التكبر بامتناعك من السجود له { أم كنت من العالين } الذين يعلون على الخلق تجبراً وتكبراً . وقرئ في الشواذ { بيدي أستكبرت } على وصل الهمزة . وروي ذلك عن مجاهد عن شبل ابن كثير اجتزاء بـ ( أم ) عن الف الاستفهام . ويحتمل أن يكون على اليمين ، كأنه اقسم فقال بنعمتي الدينية والدنياوية تكبرت بل كنت من العالين بهذا الفعل فتكون على هذا ( أم ) منقطعة وعلى الأول وهو المعروف تكون معادلة لهمزة الاستفهام .